هوامش... ومتون :ابتسامة الذي لم يهزمه الألم
وهو يعتلي منصة تتويجه فائزا بجائزة الجمعية العمانية للكتّاب، والأدباء باعتباره شخصية القدرة والإرادة، رُسِمتْ على وجه الكاتب محمد بن عيد العريمي ابتسامة عريضة، هي ابتسامة انتصار على المرض، التي تذكّرنا بمقولة الكاتب الأمريكي همنغواي في روايته (الشيخ والبحر) "الإنسان لم يخلق للهزيمة، فقد يدمر لكنه لا يهزم" وقد يكون المرض دافعا قويا للتميّز، يقول الكاتب الروسي دوستويفسكي: "الألم والمعاناة أمران لا مفرّ منهما للوصول إلى ذكاء كبير وقلب عميق".
وأنا أشاهد تلك الصورة استرجعت شعوري بالمتعة خلال قراءتي روايته "حز القيد" الصادرة في 2005 عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ببيروت، ورغم أنّها كانت العمل الروائي الثاني للكاتب، لكنني قرأتها قبل روايته الأولى "مذاق الصبر" التي روى فيها حكايته مع الإعاقة، ويومها بهرني بقدرته العالية على السرد، وغوصه في أعماق النفس البشرية وجموح المخيلة في رواية تدور أحداثها داخل سجن في مكان معزول بصحراء قاحلة يسميه "مراغة البعير الأجرب" يلقى فيه من تلصق به تهمة سياسية باستثناء بطل الرواية" علي "الذي قاده مصيره إلى هذا السجن عن طريق الخطأ وبسبب علاقة عابرة ربطته بشخص له علاقة بتنظيم سري فيحّقق معه حول تنظيم سياسي لا يعرف عنه أي شيء، وأسئلة المحقّقين تنفتح على أسئلة أخرى أكبر في نص روائي يطرح تساؤلات جريئة حول حرية الفكر، في مناطق تُصادر بها كرامة الإنسان بسبب آرائه، وحين انتهيت من قراءة (حز القيد) بحثت عن الكاتب والتقيت به، وفوجئت حين وجدته على كرسي متحرك وكان لابد لي من قراءة (مذاق الصبر) لأتعرف على حكاية العريمي مع الكرسي المتحرك التي بدأت بعد أن تعرض إلى حادث سير في طريق خارجي، فتدهورتْ سيارته، وانقلبت حياته، لكن عزيمته صارت أقوى، وأكبر، خصوصا أن الحادث غيّر مجرى حياته، ووضعه على جادّة الكتابة رغم أن هذا الأمر لم يكن سهلا، فالكتابة بالقلم عمل شاق بالنسبة له، وهنا أتذكّر معاناة قاص ونحّات عراقي اسمه (يحيى جواد) فقد قدرته على التحكم بأصابع يده بعد أصابته بالشلل، لكنه لم يتوقف عن الكتابة، وكان أمر الكتابة أسهل من النحت على الصخور الذي يحتاج إلى جهد عضلي، وكما رأيناه في الفيلم التسجيلي (حكاية للمدى) للمخرج بسام الوردي كان يشدّ على يده خشبة، ويمسك باليد الثانية الإزميل، وكان يضرب بيده الخشبية على الإزميل لينحت أشكالا جميلة، ورغم أن العمل كان يسير ببطء شديد، لكنه كان يسعد عندما يرى النتيجة، وقريب من هذا المثال يقف الكاتب العراقي عبدالخالق الركابي منتصبا، وهو يستند على عكازته التي رافقته منذ إصابته بالشلل، لكن الشلل الذي شلّ حركته لم يشل تفكيره ويوهن عزيمته، فكتب روايات عديدة فاز بعضها بجوائز كبيرة.
أمثلة أخرى عديدة لكتّاب قهروا الأمراض، فقدّموا أمثلة يحتذى بها كالدكتور طه حسين، وهلين كيلر، الكاتبة والناشطة الأمريكية التي فقدت السمع والبصر لكنها تحدّت الإعاقة، وكذلك الكاتب الروسي دوستويفسكي الذي كان يعاني من مرض الصرع، ويتعرض بين وقت وآخر لنوباته، وهؤلاء أنتجوا لنا أدبا عالميا، فالكتابة تقوى وتزدهر بالتحدي، والكاتب محمد بن عيد العريمي من هؤلاء الذين قهروا المرض فأنتج عدة روايات فجعل اسمه مضيئًا في سجل السرد العماني، وحين تكرمه الجمعية العمانية للكتاب والأدباء باعتباره شخصية القدرة والإرادة في حفل توزيع جوائز الجمعية للإبداع الأدبي والإنجاز الثقافي بدورتها الثالثة عشرة، فهذا تأكيد على انتصاره على المرض، وابتسامته تشهد على ذلك.