هوامش ومتون :ألوان ورؤى متعدّدة الأبعاد
إذا كان الشاعر اليوناني سيمونيدس، وهو يتحدّث عن العلاقة الوثيقة بين الشعر والرسم، يقول «الشعر رسم ناطق والرسم شعر صامت»، فإن ألوان الفنّانين الشباب، وأفكارهم خرجت من صمتها، ونطقت شعرا، وجمالا، ورؤى متعدّدة الأبعاد، فقالت الكثير، معلنة عن مواهب تمتلك قدرات لافتة للأنظار في الفنون البصرية، تلك المواهب، لعدم وجود فرص، ومعاهد متخصّصة، كانت حبيسة الجدران، وظلّت واقفة بانتظار من يأخذ بأيديها، ويفتح الطريق لها، متدرّعة بالصبر، الذي أتاح لها الاشتغال بأناة، ورويّة، ولم يطل الانتظار أكثر، لاسيّما أنّ «النبتة العنيدة تطلع حتى من بين الصخور»، فحين أعلن النادي الثقافي عن فتح باب المشاركة للفنانين الشباب في معرض تشكيلي احتشدت تلك الألوان والخطوط بباب قاعة رواق الفنون في النادي، عبر عشرات الأعمال، ولم يكن أمام المشرف على المعرض الفنان عبدالكريم الميمني عضو مجلس إدارة النادي سوى عرضها على دفعات مراعاة لقدرة القاعة على استيعاب اللوحات، ولتأخذ الأعمال المشاركة نصيبها من الاهتمام وكانت النسخة الأولى من معرض «أبعاد تشكيلية»، الذي افتتح في 6 سبتمبر 2021م، وجاء «بعد فترة انقطاع عن إقامة المعارض والفعاليات الفنية بسبب جائحة فيروس كورونا التي ألقت ظلالها على شتى مناحي الحياة ومن ضمنها الالتقاء المباشر مع اللوحات والمجسمات والخزفيات والأعمال الفنية» كما قال الميمني، وتوالت النسخ لنصل إلى النسخة الخامسة، التي اختتمت يوم الاثنين الماضي الموافق السادس والعشرين من الشهر الجاري، واليوم بلغ عدد المشاركين بنسخه الخمس أكثر من 200 مشارك، عرضوا حوالي 500 لوحة، وهناك أعمال لـ224 فنانا ستشارك في خمسة معارض سيتم تنظيمها، وتستمرّ حتى مطلع العام المقبل، إلى جانب المعارض التي من نتاج ورشة «مختلف ألوانه».
وبين النسخة الأولى والخامسة مسافة زمنية، بلغت العامين تقريبا، لكنّ المسافة الإبداعية كانت واسعة، مازلت أتذكّر التجارب الشبابية الأولى القلقة التي كانت تتلمّس طريقها بصعوبة وسط مشهد يزدحم بتجارب راسخة، لكن تلك التجارب سرعان ما نمت، ونضجت على نار هادئة مستفيدة من حلقات العمل الفنية، ودروس القائمين عليها، والمران والتدريب، والفن عموما، ليس فقط موهبة، بل كدّ، وعمل، وبحث، وثقافة، فأدرك الفنانون الشباب أن الطريق طويل، و«طريق الألف ميل يبدأ بخطوة» كما قيل، فقطعوا عدّة خطوات حتى إذا ما وصلوا المحطّة الخامسة، لاحظنا الفارق الكبير، والقفزة الواسعة التي حقّقوها، ففي هذه النسخة- الخامسة - من المعرض صار الشباب أكثر جرأة في استخدام الألوان والخطوط والموضوعات والخامات والأفكار، فقد استفادوا من ملاحظات الجمهور الذي كان يتردّد على قاعة رواق الفنون التشكيلية صباحا ومساء، التي فتحت أبوابها لهم، كذلك عززت الأعمال الثقة بأنفسهم، فالفنان عندما يعرض أعماله على الجمهور، يكون قد قطع شوطا في الوصول إليه وعرض أفكاره، ورؤاه عليه، بالطبع هناك أسماء اكتفت بمحاولة واحدة، وهناك محاولتان، ثم توقفت لكن هناك أيضا شبابا واصلوا المسيرة مع «أبعاد تشكيلية»
وفي النسخة الخامسة شاهدنا 65 عملا فنيا لـ 39 فنانا شابا، وتضمّ تجارب جديدة متنوعة، بأساليبها، وموضوعاتها، فمن الرسم بالألوان الزيتية إلى المائية والأكريلك، وفن الكولاج، والخزفيات، وأعمال الزخرفة، والتصميم الجرافيكي، والنحت على الخشب، والصخور، وقد أثبتوا قدرة رائعة على صنع أعمال فنية جميلة من الحجر، وقد لفتت أنظارنا الأعمال التركيبية، الفيديو آرت، وكلها تنتمي للفن المفاهيمي وهو فن يقوم على الاختزال ويعتمد في جوهره على الفكرة، والمفهوم كعنصر أساسي يقوم عليه العمل الفني والتخلص من ثقل العناصر ليعطي اللوحة أبعادا متعددة، ومن بين هذه الأعمال العمل التركيبي الذي اتخذ من سيرة الفنان الهولندي فان كوخ موضوعا، من خلال استدعاء مجموعة من المفردات ذات الصلة بحياة الفنان: كرسيّه، أشهر أعماله، مرسمه.
أما عن الموضوعات، فقد عكست الأعمال المشاركة علاقة الإنسان العماني بالبيئة، وتفاعله مع المحيط، وأثر المتغيرات على المجتمعات البشرية، واستلهام الموروثات الشعبية، والبورتريهات، والخيول، ووجوه الناس التي تحمل أبعادا شكّلت عناصر ملهمة للفنّان الشاب وهو يطلق العنان لمخيّلته وموهبته، ليجود برؤى تشكيليّة متعدّدة الأبعاد.