"هندسة الفكرة"
نحن دوما نحمل في رؤوسنا إجابات جديدة لكل شيء، وبأفكار لا تتشابه مع المتداول والمألوف، الا أنها رغم ذلك تظل مخفية غير قابلة للإعلان والحديث عنها ومشاركتها للمجتمع المحيط، محكومة بتردد عالي من صاحبها، ومسيجة بتساؤلات حول مدى ملائمتها للواقع ومنطقيتها، فتظل بذلك الكثير والكثير من الأفكار حبيسة العقول، أو أنها ربما ستذهب الى ما هو أبعد من ذلك، ستطير الأفكار الفذة المنقذة، وتتلاشى قبل ان يتم الإستفادة منها وتمحيصها، فينطبق فيهم المثل الصيني: " الشخص الذي يتروّى كثيرا قبل اتخاذ خطوة، سوف يمضى حياته كلّها على ساق واحدة"، فتظل أممنا تتحرك الى الأمام بساق واحدة وعلى نحو أبطئ من الحضارات الأخرى والتي سبقت الركب، ولعل تصريح الممثل كريستوفر ريف أمام الجمهور في احدى المناسبات، حول تطور أمريكا هو كونها دائما وعلى نحو متكرر تقوم بما يظنه الآخرين مستحيلا وغير قابلا للتحقق.
ليس من الخطأ أن تتساءل حول مدى جدية فكرتك وإمكانياتك نحققها، لكن الخطأ أن تظل حبيسة أسوار من الشك والتساؤل، ذلك الشك الذي عبّر عنه العالم والشاعر غوته بقوله: " أعمق موضوع في تاريخ الإنسان هو صراع الشك واليقين"، أو كما يقول نجيب محفوظ بأن الشك واليقين كالليل والنهار يتعاقبان، ولذا علينا أن لا نقف على عتبة باب الشك بدون إكمال المسير نحو يقين الفكرة.
بل على الفكرة أن تكون خاضعة لهندسة متأنية قبل أن تكون بناءا مكتملا، فكل ما علا حولك من ناطحات تكاد تكون قممها لامست النجوم؛ ما كانت سوى كإلتماعة نجمة في الرأس ثم القيام بهندسة المشروع فبل تنفيذه.
وكذلك الأفكار في رأسك وعلى نحو يعتمد على مدى أهميتها وملائمتها مع توجهاتك، فهي بحاجة الى هندسة وإعادة تشكيل لتكون مكتملة وعلى أهبّ الإستعداد للتطبيق والتحقق، وكما يقول يقول بيل كوبلاند: "تكون قد أزلت معظم حواجز الطريق نحو النجاح عندما تعرف الفرق بين الحركة والإتجاه".
ولا يمكننا تحديد تلك الهندسة بنمط معين من العمليات أو الخطوات الإجرائية، بل ان الأمر أعقد من هندسة المباني المحكومة بقوانين وعلم معين، فنحن الآن أمام كم لا نهائي من الأفكار والتي لا تنتمي الى مجال معين، بل هي الفكرة بمفهومها الكلّي، كتصور خرج من الرأس سبقه عملية تفكير، ولذا فمن غير الممكن أن يكون هناك توجه فكري واحد للأمر، بل انه لا يتعدى كونه تصور عام يسير بك نحو الأمام أيا كانت الفكرة في رأسك، سواء كانت فكرة اصطحاب عائلتك الى نزهة برية أو فكرة كأن تسافر الى الفضاء.
فالفكرة وإن بدت عابرة خاطفة الا أنها تسير على نحو هارموني متناغم، فقط عليك تحويل مسار الفكرة، سواء أأمسكت تلكم تلك الفكرة من طرفها أم قبضت على جوهرها، لتقف بعدها لحظة حيرة ما بين ما يدور في داخلك، وتلك المنظومة المحيطة بك، ولتتضخم بعدها في رأسك من بعد تجميع كافة المعلومات ورسم التصور العام لخط سيرها إن كنت قد عزمت على بث الروح فيها لتتجسد واقعا حيا من حولك، وعن تلك الإشكاليات الصغيرة التي باتت تطرق عقلك قبل ان تصطدم بها في الواقع اشبه ما تكون كالمتاهة الطويلة، مهما استطالت وغيرت مسارك مرة بعد مرة الا انك بلا شك ستصل في الأخير.
الا أنه تظل هناك طرقا مختصرة لمسافة الوصول والوقت والجهد المهدور، متمثلة في ان تضع قدمك على البداية وعين البصيرة هناك تناظر نهاية الطريق أو الهدف، أو لتتخيل معي أنك في لعبة متاهة حقيقية من شروط لعبها أن لا تقوم بتجربة المسارات الخاطئة، ومن غير المسموح لك بخط التراجع نهائيا، هنا تجد نفسك أمام خيار متمثل في ان تكون الرحلة في عقلك أولا، رغم أنها قد تطول أو يصعب عليك حملها في عقلك، وإن كانت على نحو تصوري فقط، الا ان المقاربة ما بين البداية والنهاية، لتكون هناك دائما في مرحلتك بداية أخرى ونهاية متجددة وبشكل لا نهائي، لتكون داخل رحلة الفكرة الأم رحلات أصغر ومهام ادق، وتفاصيل عليك إنجازها مرة بعد مرة.
لكن قبل أن تبدأ بتطبيق فكرة الطريقة المختصرة لحل المتاهة أخبرني أولا، من رسم تلك المتاهة من الأساس؟ لتكون طريقة تجاوز الرحلة أو المتاهة بالنظرة التباعدية المشابهة لنمط للتفكير التباعدي، عبر النظرة الشمولية الواسعة للطريق يتبعها نظرة تقاربية لمحاولة تتبع مسار الطريق الصحيح.
لذا فإن تلك الفكرة يتم معاينتها ما بين جزئيتها وكليتها، وخطواتها الصغرى والهدف الأكبر المتحقق مع اصباغها صبغة إنسانية، وقيمة اجتماعية تزيد من فرصة سيرها قدما نحو الأمام، مع الإلمام بكافة متطلباتها المادية والبشرية والإدارية، لتتجسد واقعا لا خيالا في عقلك فقط.