هل تقبل الزواج من جامعية ؟
عام ١٩٨٩م.. يوم الأربعاء.. التوقيت.. لا يتضح كم كانت الساعة حينها غير أن ضوء النهار بدأ ينسحب من «ليوان» البيت ببطء شديد ودفقات الهواء تدفع بـ«الدرايش» يمنة ويسرة بحركة سريعة ومزعجة تشي بليلة شديدة البرودة وهبوب رياحٍ جافة.
بدت الفكرة الآن غاية في الجِدية بعد زمن طويل من الأخذ والرد والتداول مع الإخوة والأصدقاء خاصة الذين يمتلكون رؤى مستنيرة حول كيفية التعامل مع المستقبل.. إن فكرة الزواج بفتاة درست في جامعة مختلطة وتحتكم على شهادة علمية هو خروج عن المألوف والسائد ويعني بكل بساطة أنها ستكون «مشاكسة» مستقلة فكريًا وصاحبة رأي قد لا يأتي بخير.. يعني ذلك أيضًا أنها مؤهلة للتعيين في وظيفة جيدة والوظيفة بطبيعة الحال ستجلب المال والمادة؛ ستجلب القوة والسيطرة.. أُسقط في يد الرجل الذي لم يجد حلًا ملائمًا يُخرجه من هذا المأزق خاصة أنه يحب هذه الفتاة ويرغب في الزواج منها.
«زوجة موظفة» حصلت على درجة البكالوريوس قادرة على أن تُحاور وتناقش وتردُ بالحجة والمنطق.. لها دخلها الخاص وحسابها البنكي ورؤيتها ربما المختلفة في تدبير الحياة إداريًا وماليًا يا لها من فكرة غبية سيرفضها كل من وُهب ذرة من عقل فمن يقبل و«الرجال قوامون على النساء» أن يصبح تعليم زوجته العالي مصدر إضعاف لشخصيته وسيطرة لا يمكن التحكم فيها على مفاصل حياته الزوجية.
صُفق الباب فجأة فاستيقظ الرجل كدِرًا من قيلولته.. كانت الساعة تشير إلى السادسة وسبع دقائق واليوم هو السبت الخامس من أغسطس من عام ٢٠٢٣ م. أجال النظر في أركان الغرفة.. ازدرد زجاجة الماء التي تدحرجت بجانبه وشربها على دفعة واحدة.. استوعب ساعتئذ أنه عاد إلى الواقع.
تأكد الرجل من حقيقة أنه فعلا في عام ٢٠٢٣م عبر النظر في «شاشة» هاتفه النقال ومن خلال صخب الحياة الذي ينبثق بخِفة إلى مسمعه.. قال بنبرة من تساوت معه الأحوال: «رغم ذلك لا يبدو الزمن جميلا الآن فلكل مرحلة حياتية جمالها وطبيعة مشاكلها».
اليوم تزدحم الحياة بمشاكل من نوع مختلف لا تشبه ما كانت عليه في الثمانينيات والسنوات التي جاءت بعدها. كانت سِمة تلك الفترة الزمنية بساطة الحياة وقدرة الدُخول الشخصية المتواضعة ممثلة في قدرة الرواتب على الإيفاء بكافة المتطلبات مع انخفاض الأسعار.. لا خدمات اتصال هي الآن ضرورية كاتصالات الهاتف المحمول أو التي ترتبط بالإنترنت.. لا خدمات ترفيهية كالسفر والشراء الإلكتروني.. لا مواد استهلاكية كالتي تزخر بها اليوم «المولات» الكبيرة وتتسبب في حدوث نكبات مالية.
مَن هذا الإنسان المُتزن الذي يرفض في عام ٢٠٢٣ م الزواج من فتاة جامعية أو موظفة أو من هي في طريقها للتوظيف؟ من يُقبل منه حتى مجرد التفكير في ذلك والحياة تأخذ منحنى يزداد صعوبة يومًا بعد يوم؟ من هو العاقل الذي تتوفر له فرصة الاقتران بامرأة على درجة عالية من الوعي والتعليم تعينه على اجتياز كثير من المتاعب التي قد تحرمه من تحقيق سُبل الراحة والرفاهية والعيش الكريم ويرفض راضيا مقتنعا؟
ولأن الزمن لم يعد هو الزمن بات من الحماقة طرح الكثير من الأسئلة التي كانت فيما مضى «وجودية» إلا من باب التندر أو التذكر أو المقارنة من بينها سؤال: هل تقبل الزواج من جامعية؟
آخر نقطة..
تحت مسميات كثيرة يُسمِمُ الحقد حياتنا ويُحيلها إلى معارك خاسرة وتحت مُسمى واحد فقط هو «الحُب» يتحول العطاء اللامحدود إلى قيمة رفيعة لا يعرف كنهها إلا النبلاء.