هزالٌ يفُت عضُد القوة الشرائية
دخلت المجمع التجاري «المول» الذي كُتب عنه يوم افتتاحه الرسمي أنه سيكون «قِبلة التسوق» في سلطنة عُمان.. ذهبت إليه ليس رغبة في التبضع أو لممارسة رياضة المشي تحت التكييف المجاني كما يحدث عند البعض إنما لأن المقاهي المفتوحة لا تصلح هذه الفترة للجلوس بسبب ارتفاع درجات الحرارة بعد شتاء معتدل مر كلمحِ البصر.
ما ان توسطت الممر الذي عهدته مُزدحمًا في الطابق الأول حيث المتاجر ذات العلامات التجارية الشهيرة حتى لمستُ بوضوح الكآبة مخيمة على المكان. محلات لبيع الساعات والملابس والأحذية أُغلقت، مقاهِ ومطاعم تلفظ أنفاسها الأخيرة، عدد محدود من الأطفال في الركن المخصص للترفيه حتى أيقنت أنه بحق تأثير ضعف القوة الشرائية وهُزالها على حياة الناس.
لا يُذكر هذا الخلل والذي ضرب الحركة التجارية بمختلف دوائرها في مقتل إلا وتقفز إلى الواجهة أسباب يعدها الكثيرون جوهرية يتصدرها تقاعد موظفي الخدمة المدنية الباكر خاصة من أصحاب الهشاشة المالية الذين أضر بهم اقتطاع الرواتب الذي لامس الـ30 بالمائة متبوعًا بأعباء القروض وغلاء المعيشة.
هناك أيضًا الضرائب والعلاوات والميزات المخصومة من رواتب الموظفين ما أدى إلى إعادة النظر في نوعية التسوق تقوم على اقتناء ما هو ضروري إضافة إلى التأثير المباشر لرفع الدعم عن المحروقات والخدمات الأساسية كالماء والكهرباء إلى جانب ارتفاع تسعيرة خدمة الاتصالات وشبح تسريح موظفي القطاع الخاص المتواصل.
لقد أدت هذه الأسباب مجتمعة إلى تراجع قوة المواطن الشرائية وأسهم بعضها في إغلاق الكثير من المشاريع الصغيرة والمتوسطة وهروب الاستثمار الخارجي وتسريح العمانيين وظهور مشاكل اجتماعية أهمها ارتفاع نسبة الطلاق.
ولإعادة عجلة القطار إلى القضبان مجددًا بات من الضرورة المُضي قُدمًا في إيجاد مزيد من فرص العمل للشباب والنظر في إمكانية زيادة رواتب الموظفين والمتقاعدين والتوجه نحو دعم شركات القطاع الخاص التي توظف المواطنين بـ٥٠ بالمائة من الراتب وتنشيط عملية الإحلال في الوظائف الحكومية والشركات التابعة لها.
لقد أثبتت الأزمة الاقتصادية التي مر بها العالم خلال الفترة بين العام ١٩٢٩ إلى ١٩٣٣ وعُرفت بـ«الكساد الكبير» بسبب الانهيار المفاجئ لقيمة أسهم بورصة «وول ستريت» في نيويورك نتيجة طرح ١٩ مليون سهم للبيع دفعة واحدة ليصبح العرض أعلى من الطلب أثبتت أنه ببعض الحلول المُبتكرة يمكن العبور فوق المعضلات الاقتصادية الكبيرة.
لتجاوز تلك الفترة العصيبة أمر الرئيس الأمريكي حينها فرانكلين روزفلت بتوجيه الباحثين عن عمل من الشباب للانخراط في المشروعات الحكومية الخاصة بالبنية الأساسية وفي مشاريع تشييد المباني والطرق ما أدى إلى حلحلة الأزمة ومعاودة الروح للاقتصاد الأمريكي والعالمي وانتعاشه.
النقطة الأخيرة..
«لا توجد شكوى أكثر انتشارا من شكوى ندرة المال».
آدم سميث عالم الاقتصاد الاسكتلندي
عُمر العبري كاتب عماني