«هذا زمن الشاحنات»
(1)
ثمَّة شيء غريب في السِّباحة بالبحر (صرت أفعل ذلك بصورة يومية تقريبا في هذا الصيف): يختفي البحر بعد حوالي نصف ساعة من العوم، وتغيم السماء، ولا يعود الشاطئ موجودا، وتحطُّ على رأس المرء ذكريات، ونوارس، وطيور أبابيل.
كل شيء يصير أزرق على غير ما كنت أعرف الزُّرقة.
ثمَّة شيء غريب في السِّباحة بالبحر.
(2)
تقديس الكتابة من أفعال الأصنام (أنا لست صنما في معشر الأوثان).
(3)
أحثُّكِ على الغيمة (أنا لستُ هناك).
(4)
لا أخاطر بحياتي حين يدعوني الغفران.
(5)
سأحبك إلى أن تكوني آخر امرأة.
(6)
يصنع النَّاس الدُّمى (ثم يكونونها).
(7)
أمضي نحو الخشوع (ولا أصمت).
(8)
عيناكِ لا تتكلمان (أناملك تُصيخ).
(9)
لا أتأتئ في الَّلدغة، لا أستقيل من الموهبة.
(10)
تراودني كل جدران هذا العالم إلى نافذة في الطَّابق العاشر.
(11)
الكتابة إيمان (ألم أقل لكَ إن الأمر لا يصلح لك على المدى البعيد)؟
(12)
ما زالوا يتقاتلون (والقتلى أصابهم البرود).
(13)
لن أستطيع أن أحبك مرة أخرى (أنت امرأة واحدة فقط).
(14)
خبر سيئ للغاية: لم يعد القَتَلَةُ يمشون في الجنائز.
(15)
كلما استشرس الليل وأوغل، يزداد رعبي من النهار.
(16)
يتذكرونك في حلول الأكتاف. ينسونك حين تَحِلُّ الأيادي.
(17)
يمكن، عند هذه الزاوية، أن أموت قليلا.
(18)
الأغصان لا تحكي، والثِّمار لا تصغي (كلٌّ له حقوقه).
(19)
هذا يوم غامر وثقيل. أَعدُّ الشَّمس وهي تصَّاعد مثل الكهنة.
(20)
الطَّريق ليس المسافة.
(21)
الاشتياق من أفعال النَّرجسيَّة.
(22)
أنا في غاية الرِّضى عن كل ما لم أحققه.
(23)
هنا، يكاد المرء أن يتنازل عن مسؤوليَّة الشَّفقة.
(24)
كل شيء خطأ (ومع ذلك أتجاسر على كتابة هذا).
(25)
آه (وتسبقني الأظافر).
(26)
الليل تَفَتُّق.
(27)
الحُمَّى إسعاف. الطَّبيب شخص آخر تخرَّج في الجامعة.
(28)
أنتِ دوما في الأعالي (أما أنا فقد خانتني الدَّرَّاجات الهوائيَّة).
(29)
الخذلان لا يُقوِّي المناعة، ولا يُضْعِفها. الخذلان يعيد اكتشافك (فحسب).
(30)
الصَّمت لا يأخذني. الصَّمت يُعيدني.
(31)
لن أفعل «كل شيء» لأجلك. فعلتُ شيئا واحدا كثيرا بما فيه الكفاية عن «كل الأشياء».
(32)
أنتِ تهتُّك الغياب في الرِّيحانة. أنا غضُّ النَّظر.
(33)
أمضي إلى حتفي كمن يتفكَّر في هديَّة عيد الأم.
(34)
أستغفركِ حين القُرب. لا أذهب إليكِ في المسافة أو الضوء.
(35)
في هذه اللحظة، خلف النَّافذة، أشرقت الشمس (لكن النَّافذة لا يعنيها ذلك).
(36)
المرض ضروري (لأمثالك).
(37)
في هذا الصَّباح سَها الُّلعاب عن المخدَّة. كل شيء سيحدث في النِّسيان.
(38)
لن أعود لكِ فقد تكرَّرتِ كثيرا (تقريبا مثل أغنية).
(39)
يحول الحزن بيني وبين البلاد.
(40)
ورق كثير جدا (أخبار اليوم).
(41)
لم يَفُتْهُ التَّنزُّه بين أزهارِ وورود كل هذه الحرائق.
(42)
هذا الليل لم يحدث (في اتِّصالكِ المفاجئ).
(43)
عراقة أولئك القوم وأمجادهم تعاني من التثاؤب.
(44)
لا شيء يعنيك هنا سوى الخَشَب، والمطر، والرَّمل، والأرامل.
(45)
في القُبلة شيء من النُّخاع.
(46)
أيها السَّيِّد: أنا سيِّدٌ أيضا.
(47)
يبحث الكاتب عن الشَّكل (والأشكال صريعة أمام الكاتب).
(48)
أستميحكِ الدَّرب. لا أخشى عليك في المقبرة.
(49)
اللامبالاة أول التدابير (وما ينبغي أن يأتي بعد ذلك سيجيئ بعد ذلك).
(50)
الذكريات مهنة النُّبلاء، والعاجزين، والذين يكتبون القَمَر (ويستغفرونه).
(51)
لا تستطيع الأم أبدا تجاوز أنها فضيحة النَّخلة (الأم هي الفضيحة المثاليَّة دوما).
(52)
«هذا زمن الشَّاحنات».
هكذا كانت تقول له، فقد كانت ولهى بهذه العبارة الناتئة على نحو ممسوس لسبب أو لآخر، وتقولها بصورة آليَّة تقريبا حتى وهما في غرفة النَّوم، أو حين يكتشفان أنه لم يتبقَّ لديهما طعام في الثَّلاجة ولا في صندوقها التَّجميدي. لم تكلِّف نفسها قَطّ عناء أن تشرح له فحوى تلك اللازمة، وسبب الترديد البّبغائي لتلك القناعة بطريقة ارتجاليَّة ومجَّانيَّة: «هذا زمن الشَّاحنات»، وكفى. وهو كان عليه أن يفهم ويوافق من دون الاضطرار إلى أي عَجَلَة أو بطء على الطَّريق السَّريع. هكذا، إذن، لم يتبرَّع بالسؤال عن الشَّاحنات وزمنها، فقد اقتنع، ضمنيَّا، أن «هذا زمن الشَّاحنات» بالفعل، وليس أمامهما (أمامه، بالأحرى، وبصورة أكثر دقَّة) خيار غير هذا (والشَّاحنات، في أية حال، كثيرة جدا في الشَّوارع الأمريكية السَّريعة التي كانا يرتادانها). زِد إلى ذلك أن كل علاقة تنطوي على تقديم تنازلات بالضَّرورة، وينبغي التقليل من احتمالات الإصابة بالصُّداع قدر الإمكان.
هكذا، إذن، تعامل مع «زمن الشَّاحنات» بصورة تختلط فيها الأريحية والهدوء باللامبالاة والاستحسان المحايد والاضطراري، وتطبيق النَّصائح المتداولة في التَّعامل الإيجابي مع الشطحات كي لا يُتَّهَم بأنه «مضاد للنَّسويَّة» لا سمح الله: «هذا زمن الشَّاحنات» بالفعل، ولكنه لا يستطيع أن يفعل شيئا حيال الأمر، ولا يريد أن يعرف لِمَ هذا «زمن الشَّاحنات»، ولا يرغب في أي شجار بحجم سيارة رُكَّاب صغيرة أو بحجم شاحنة، وأظن أنه كان ماهرا في تجنُّب الاصطدام.
اليوم، وبطريقة أعجوبيَّة المناورة والمهارة جاءتا بصدفة الرَّمية التي من غير رامٍ، تفادى شاحنة عملاقة (لا بد أنها تحمل التَّاريخ إلى شيء من الأقطار)، وكانت متوجهة إلى ضلوعه مباشرة.
أدرك اليوم، بعد زمن طويل، وتحاشيا للسؤال الذي لم يبرح مرحلته الجنينيَّة، أن «هذا زمن الشَّاحنات» فعلا. تذكَّر تلك المرأة، وابتسم بحنين وشوق باهتين، ثم استأنف الذهاب إلى شقَّته التي لا توجد فيها شاحنات مرئيَّة، ولا يوجد كذلك عنوانها الإلكتروني، فقد افترقا، وتباعدا، ولم يعد أيٌّ منهما يدري شيئا عن أحوال الآخر في «زمن الشَّاحنات».