نوافذ : يعض أصابع الندم
shialoom@gmail.com
أتصور أن أحدنا لن يصل إلى مرحلة «عض أصابع الندم» إلا في مرحلة متأخرة من مجموعة المشاعر المتراكمة التي تضغط عليه بقوة هذا الندم المتولد من إخفاقات متتالية في أمر ما من أمور حياته اليومية، مع الأخذ في الاعتبار أن هذه الإخفاقات لم تكن وليدة اللحظة، فقد تسببنا فيها على مراحل متعددة، كان يمكن لنا أن نصل من خلالها إلى كثير من القناعات، التي تولدها التجربة والممارسة، ولكن لأننا هكذا نغض الطرف عن كثير من أخطائنا، ونعول على الزمن لتصحيحها، وعلى المحاولة تلو المحاولة لتجاوز إخفاقاتها، ولكن لأن كل ذلك في كثير من الأحيان لن يغني عن الوقوع في مطب الأخطاء لنفس الموضوع، ولأننا لا نؤمن كثيرا بالاعتراف بهذه الأخطاء، فإننا نواصل ذات المنهج، حتى نصل إلى الغايات في ذات الأمر، وعندما نصل إلى هذه المراحل المتطرفة «الغايات» فإنه لن تكون هناك فرص كثيرة متاحة لتصحيح الأخطاء، عندها نصل إلى النهاية، ولأنها نهاية غير ما نريد، فإن الأمر يصل بنا إلى عض أصابع الندم.
وقد سجل قابيل ابن آدم ـ عليه السلام ـ أول محطة من محطات «عض أصابع الندم» عندما قتل أخاه هابيل «فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من النادمين» حيث وصل إلى غاية الأمر «إنهاء حياة أخيه» وليس بعد إنهاء الحياة غاية، فذلك مبلغ الشيء ومنتهاه، وهناك الكثيرون منا من قرأ قصة الكسعي الذي أفنى أقواسه الخمسة في قتل الحمر الوحشية، ظانا أنه لم يصب أيا منها، مما أدى به إلى تكسير قوسه الذي تعهده بالعناية والرعاية مذ أن كان غصن شجرة، فلما تبين له سوء تصرفه في كسر قوسه، ندم ندما شديدا، حتى عض إبهامه فقطعها من شدة العض، فأصبح ندمه مثلا متداولا على ألسنة الناس، ومنهم الشعراء كما تروي ذلك قصص الأدب، ومن ذلك قوله:
«ندمُت ندامةً لو أنَّ نَفسي: تُطاوِعني إِذا لقَطَعتُ خَمسي
تَبَيّن لِي سَفَاهُ الرَّأيِ مِنِّي: لَعَمرُ اللهِ حِينَ كَسَرتُ قَوسِي»
صحيح، أنه يمكن أن يهيئ قوسا آخر لذات الغرض، ولكن لأن مرحلة الاهتمام سواء بتجهيز هذا القوس، أو تلك النشوة العارمة التي رافقت صيد الحمر الوحشية، كان لها مناخ خاص، فإن العودة إلى المربع الأول لن تلثم حالة الندم التي عاشها في تلك اللحظات المهمة من انفعالات المشاعر، وهذا ما يحدث عندنا جميعا، فالحالة النفسية التي نعيشها لتهيئة حدث ما، في لحظة زمنية ما، ولأسباب ما، نعرفها تأخذ مجرى مهما في حياتنا، وتظل تحمل خصوصيتها، ولا يمكن تعويض هذه الخصوصية في بديل آخر، يمكن أن يحتل مكانا، هيئ لأمر سابق، فيأخذ نفس الاهتمام من الصدق، والتفاعل، والاستبشار بالنتائج.
ماذا يعني أن نندم؟ لأن هناك مساحة نفسية قطعت خصيصا لذات الأمر، ولا يمكن أن يعوضه أمر آخر إطلاقا، ففقدان الشيء، وعلى خطوات من تحقيقه، يورد هذا الندم، لأن سقف الأمنيات كان مرتفعا، قابله همة متواضعة لتحقيقه، فلم يتوافق سقف الأمنيات مع مستوى الهمة، فجاءت النتائج صادمة على غير التوقع، عندها لن يحل على الصورة الذهنية غير الندم، ويحدث الندم، لأنه كان بالإمكان بذل جهد أكبر من التوقع لتحقيق ما نود تحقيقه، فلم نفعل، فكانت الخسارة كبيرة.