نوافذ :هل نحن مُرْتَهَنُون للآخر؟

28 أبريل 2023
28 أبريل 2023

shialoom@gmail.com

يحاول البعض منا أن يتحرر من روابط كثيرة- وأغلبها اجتماعية تنطلق من العادات والقيم المتوارثة - يرى فيها أنها تحد من حركته، ومن أنشطته، ومن تحجيم رؤاه وقناعاته، وبأن الحياة الحاضرة تفرض أجندة مختلفة في تعاطي الناس مع بعضهم البعض، هذه الروابط قد تكون متوارثة، وقد تكون طارئة، وقد تكون مرتبطة بمصلحة ما، وقد تكون حالة ليست بذات الأهمية، ولكن الناس يعطونها نوعا من الرعاية لعوامل نفسية؛ كنوع من جلد الذات؛ أو اجتماعية، وفي كل أحوال هذه الروابط، وهي غالبا؛ ما تكون معنوية، لا تمثل حكما مطلقا للإيمان بقدسيتها، لأنها من صنع البشر، أي أنها قابلة للتعديل والتغيير؛ احتكموا على أهميتها في ظرف زمني، وبالتالي فالأجيال على تتابعها لن تكون معنية بملازمتها بصورة مطلقة، إلا في لحظات معينة لخدمة عرف اجتماعي، أو مراعاة حالة إنسانية ما، أو من باب الإشارة إلى هوية ما، وبالتالي فمتى حدث نوع من الفصام بين الفرد وروابطه الاجتماعية غير الأساسية؛ فلا يفهم أن ذلك نوعا من الردة، أو نوعا من نكران الجميل، أو نوعا من الانسلاخ عن الهوية، وهذا ما يحدث في أغلب الأحيان، ليس ذلك في الزمن الحاضر، حيث تنازع قوى التأثير على مختلف المناخات الاجتماعية بصورة أكبر من ذي قبل؛ بتأثير وسائل الاتصال- كما يعتقد- وإنما هي صورة متكررة مع الأجيال، ومن هنا تأتي مسألة أن كل جيل سابق يعيب على الجيل اللاحق، وهكذا تتوالى الأجيال في انتقاد بعضها بعضا، ومع ذلك فإن التحول القيمي من هذا النوع ليس منه خوف، فالأجيال من حقها أن تصنع لها صورة مغايرة تتميز بها عن من سبقها من الأجيال، وهذا ما يعكس حيوية الأجيال، وقدرتها على تشكيل واقعها بصورة مغايرة، انعكاسا لظروف فارضة نفسها بحكم الحداثة.

والمشكلة هنا أن هناك من ينزل هذه الروابط المنزلة المقدسة- والقداسة هنا اجتماعية؛ بالضرورة؛ وليست القداسة الدينية، التي يسلم لها الجميع- ولذلك تجد لها آذانا صاغية، واحتواء ممتدا لدى الأجيال المتتالية، ولو لظروف استثنائية حيث العودة إلى اللحمة الاجتماعية لأمر ما، وهذا ما نقرأه في بيت الشاعر الكبير زهير بن أبي سلمى:

«ومن لم يصانع في أمور كثيرة

يضرس بأنياب ويوطأ بمنسم»

وذلك ما نستشعره أيضا في قول القائل:

«أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم

فطالما استعبد الإحسانُ إنسانَ».

والإحسان هنا صوره كثيرة، منها ما هو من الدين بالضرورة، والقيم السامية، ومنه ما هو متكلف فيه، ولكن لأنه لخاطر فلان من الناس، فالناس يأتون به، ونفوسهم تستشعر مشقته، ولكنها تكتم غيظ رفضه مجبرة إجبارا معنويا وماديا، حيث لا تملك حرية اختياراتها في ممارسة الفعل أو الوقوف دونه مخافة العتب الشديد.

الجانب الآخر في هذه المسألة أيضا؛ وحسب ما يقول (برنارد شو): «كلما زاد نضج الإنسان قل عدد من حوله من الناس، فالعقل الناضج لا يحتمل المجاملات»، مع التسليم بأن أغلب هذه الروابط التي نتحدث عنها هي ضمن سلسلة المجاملات، ومع أن تقدم السن يربك هذه السلسلة، ويقوض تسلسلها، فإن الأمر يصبح طبيعيا حينما يعيد أحدنا قراءة هذه الروابط، فيزيل الكثير منها من قائمة اهتماماته، ويبقي الأخرى إلى حين من الدهر.