نوافذ: من هي الأجمل يا مرآتي!
أتذكرُ الفتاة التي كانت تجلسُ بقربي في الصف الخامس الابتدائي، عندما رفضتْ المعلمة أن تؤدي دور الأميرة في المسرحية، لأنّها ليست جميلة كفاية، رغم أنّها أكثر طالبات الصف قدرة على التمثيل. بدا حُزن الفتاة عميقا ولم تنتبه المعلمة لدموعها التي بلّلت خديها ويديها المعقودتين فوق الطاولة.
منذ ذلك الحين وفكرة الجمال الذي تقترحه الروايات والأفلام ومعايير الناس، تُشكل هاجسا يستدعي هذه القصّة على الدوام، حيث تُحْبَس المرأة منذ الأزل في صور نمطية للجمال. الجمال الذي قد يُجابه الألم للوصول إلى صورته المثالية.
لا تخرج النساء في القرن التاسع عشر من عزلة الألم في سبيل الجمال، إلا عبر كتابة الرسائل بلغة «نو شو» فوق المراوح الصينية بعيدا عن هيمنة الرجال، هكذا تفْتحُ الرواية الصينية «زهرة الثلج والمروحة السرية» للكاتبة ليزا سي، عادات عجائبية مرتبطة بقيمة الجمال، حيث تُربط أقدام الفتيات لتبدو أصغر وأوفر حظا في الزواج، بل تُترك مربوطة حتى تتكسر عظام الأصابع وتصبح رخوة، انطلاقا من فكرة مُرعبة بأنّ الفتاة في السابعة لو استطاعت اجتياز الألم يمكنها أن تكون زوجة وأمّا دون متاعب، «علينا ألا نتعجب، فالوجه الجميل هبة من الله ولكن الأقدام الصغيرة تُحسّنُ الأوضاع الاجتماعية».
ولا تقل فكرة رواية «الجميلات النائمات» للكاتب الياباني ياسوناري كواباتا رعبا، حيث يذهبُ الرجال الطاعنون في السن، لتأمل الجميلات النائمات الصغيرات، دون المساس بهن، لأنّ ذلك ينافي القواعد، وكأنّ اتصال شيخوخة الرجال بجمال الصغيرات، يُحيي الذكريات والرغبة في العيش.
تفزعني المقاومة الصلبة التي تبديها النساء للتقدم في العمر، لمواجهة التجاعيد والذبول، ذلك اللهاث لمطاردة الصورة المثالية، وكأنّ إشارات تقدمنا في العمر تخرجنا من نطاق الجاذبية، بسبب المقارنة المُهلكة بنجمات السينما. فلطالما كانت المرآة تخلق معاناتنا التي لا يراها غيرنا، فتغدو نصلا كلما بدونا أمامها دون المُبتغى، وكأننا نتمثل صورة المرأة الشريرة في قصة سنو وايت الواقفة أمام مرآتها: «يا مرآتي يا مرآتي.. من هي أجمل امرأة»!
في أفريقيا ترتدي المرأة حلقات نحاسية ثقيلة حول عنقها ليصبح أطول من المعتاد، إلى جوار المجوهرات الثقيلة المصنوعة من الأحجار أو أنياب الفيل لإطالة شحمة الأذن، وتضع قرصا خشبيا فوق الشفاه، لتدلل على وصولها لسن الإنجاب، وتضطر لإزالة أسنانها الأمامية السفلية لتتم العملية بنجاح.
هكذا يتصاحب الجمال بالألم منذ قديم الزمان، ونراه الآن في هوس عمليات التجميل، فالأفكار السلبية والجاهزة عن مظهرنا، تؤثر في الطريقة التي تفكر فيها النساء والفتيات منذ سن صغيرة. وكما يبدو فالفنون والسينما والإعلانات تُمجد أوصافا محددة أيضا، وكل من يقع خارجها يقع خارج الجمال، وكأنّ الجمال مألوف ومُحدد، ويسعى لجعلنا شيئا واحدا، غير ناظر لتمايزاتنا الفردية.
تركز الأفلام منذ عقود طويلة على إبراز بطلة جميلة ضعيفة وبحاجة إلى يد أمير، وتصور أفلام ديزني لبناتنا الصغيرات أنّ معيار الحياة السعيدة هو الجمال، باعتباره الأمر الخارق الذي ينتشلهن من الحياة البائسة. قليل من الأفلام فعلتْ العكس، على سبيل المثال فيلم “Brave”، حيث تظهر الفتاة المُعارضة لأن تكون مهمتها في الحياة أن تبدو جميلة ومهيأة للزواج، وكذلك فيلم موانا «Moana» الفتاة الممتلئة بشغف الفضول والأسئلة التي تأخذها لتاريخ أسلافها القدامى وما تدخره جدتها لها من أسرار. تظهر «موانا» بصورة المنقِذة لا المنقَذة، بينما يظهر البطل الخارق «ماوي» في دور ثانوي.
وفي أفلام الكبار تظهر غالبا البطلة بمعايير دقيقة، وكأنّ حظها وتقلبات حياتها قائمة على سطوة جمالها الأخاذ، ولكن ثمّة أفلام أخرى زاحمت الصورة النمطية، فقدمت عقل المرأة اليقظ والحساس، والذي لا ينبغي تجاهله وحبسه في إمكانيات محدودة، نذكر منها أحدات فيلم Hidden Figures ، حول عالمة الرياضيات كاثرين جونسون وزميلاتها، «العقل المدبّر وراء الإطلاق التاريخي لرائد الفضاء جون غلين عام 1960، حيث تمكّنت ثلاث نساء من أصول أفريقية من طبع أسمائهنّ على صفحات التاريخ».
من منّا لا يريد أن يكون جميلا؟ نحن مجبولون على ذلك، ولكن دون أن نخسر تقديرنا لفرديتنا التي تصنع قيمتنا الحقيقية.