نوافذ :للبيوت أبواب..
shialoom@gmail.com
يبقى ما هو معلوم بالضرورة أن للبيوت أسرارا، تستر أو تفضح خفاياها الأبواب، ولذلك فهناك حالة تخاصم دائمة بين أسرار البيوت وأبوابها، ولا يحد من مستوى حالة التخاصم هذه إلا بمقدار حجم ومستوى المغاليق، أو القفول، ولأن من يعيش داخل هذه البيوت ومن تحجب عنه الرؤية بفعل الأبواب هم مجموعة من الناس، يتقاسمون فيما بينهم كثرة هذه الأسرار، وتنوعها، ومستويات أهميتها، فبالتالي متى انفرط عقد التلازم بين مجموعة هؤلاء الناس للحفاظ على أسرارهم، فلن تنفع أي عقدة بعد ذلك لرتق هذا الانفراط، حيث تصبح الأسرار مشاعة، يتلقفها الصالح والطالح على حد سواء.
وتتسع رمزية البيوت هنا لتشمل بيئات العمل، حيث لا توجد على الإطلاق بيئة عمل لا تحتوي بين جنباتها أسرارا عدة، تتفاوت أيضا في أهميتها، وفي تنوعها، ولعل أسرار بيئات العمل من أهمها على الإطلاق خاصة تلك المتعلقة بمقدرات الأوطان، وبتموضعات أمنها الوطني، الذي لو تم اختراقه حلت الكارثة الكبرى، حيث يصبح الوطن مشاعا في كل مقدراته، وممكناته، فيتحول إلى سلعة رخيصة في يدي أعدائه يوظفونه التوظيف السيئ، وهذه من المحن الكبرى، فأعداء الأوطان كثيرون، وأقربهم مصيبة خاصته، وأبناء جلدته.
تشكل القلوب، والعقول، هي الأخرى مواطن كبيرة لجمع الأسرار، وتصبح من السلع النادرة لدى الأشخاص، وهي لا تقل أهمية عن سابقاتها من المواطن المادية أعلاه، وهي ليس من اليسير لها أن تفصح عما تحتويه من أسرار، وأبوابها للوصول إلى أسرارها تركن كثيرا على القناعات الذاتية، ففلان من الناس لن يفصح لك عما يحتويه قلبه من أسرار، إن لم يأمن جانبك، وهذا الأمن مفتاحه القناعة التي عند الطرف الآخر من أنك سوف تحافظ على ما يأتمنك من أسرار، أم لا، وهذه القناعة تحتاج إلى كثير من نقاط التماس التي تجمع بينكما، ولذلك يعمد الكثيرون إذا أرادوا سرا ما من شخص ما لا تربطهم به علاقة قوية، يبحثون عن أقرب أصدقائه أو خاصته، أي عبر طرف ثالث (باب) وقد تدفع أموال مقابل ذلك، وقد تتداخل مصالح معينه بين الطرفين، والثالث «مسكين» مغتال من حيث لا يدري.
«للبيوت أبواب..» مفهوم يتسع لكل جوانب الحياة المختلفة ومن يعيش فيها من الكائنات، فحتى الحيوانات العجم تستغل من أبواب غريزتها الفطرية، حيث تسخر لخدمات كثيرة بمجرد أن تروي غريزتها من الطعام، مثلا، فتتحول الضواري المفترسة التي تفتك بفريستها «الإنسان» إلى حيوان وديع يكاد يقبّل أرجل وأيدي هذا الإنسان بعد أن يشبعه ويروي غريزته الفطرية من الطعام.
وبقدر هذا الاتساع في مفهوم أبواب البيوت، يقابله ضيق في الحفاظ على الأسرار، ووفق القاعدة: «الأمر، كلما اتسع ضاق، وكلما ضاق اتسع» تذهب المعادلة إلى الصعوبة البالغة إلى رتق الرقعة لأي من كفتي المعادلة، ولذلك يتعايش الناس وفق تفاهمات معينة مع هذه الخروقات التي تحدث في لجم استفحال إشاعة الأسرار بين الناس، حيث تلعب الضمائر والتعاقدات الاجتماعية المتعارف عليها دورا ملحوظا في الحفاظ على مستويات السرية بين الناس، حيث تدرك الأطراف التي تتقاسم الأسرار، أن إفشاء سر يجُرُّ وراءه تداعيات اجتماعية وأمنية خطيرة، وبالتالي تقل المجازفة إلى الانزلاق في أتون فتح الأبواب على مصراعيها.