نوافذ.. لروح أمل وابتسام والأخريات

18 ديسمبر 2022
18 ديسمبر 2022

في أسبوع واحد، اختفت "أمل العبري" و"ابتسام المقرشي" من الحياة بصورة وحشية، لا يمكن لعقلٍ سوي أن يُصدقها، ذلك الاختفاءُ الذي هزّ عُمان، وأفجع القلوب، فتداعى الوطنُ من مسندم إلى ظفار بالحزن والأسى.

وبعد أن أُزهقتْ الروحان البريئتان، خرج من المجتمع صوتان مُتناقضان، صوتٌ يرى أنّ المشكلة تكمن في تحرر المرأة ووعيها بحقوقها، وصوتٌ آخر يرى بأنّ الرجل عدوٌ مُفترض وأنّه المُعنف الوحيد في الحياة.

ورغم أنّه ليس بحوزتنا أرقام وإحصائيات دقيقة حول حالات القتل التي تسبب بها الجنسان حتى اللحظة، فإنّه لا ينبغي بأي حال من الأحوال ربط العنف والقتل بالجندر، فلقد قرأنا قبل أعوام قليلة، عن رجال ذهبوا إلى حتفهم بسبب نساء غادرات أيضا، إذ إن العنف ظاهرة قديمة قدم المجتمعات البشرية، تتجدد في كل مرّة وفق ظروف ومحفزات جديدة.

المؤذي حقا في هاتين القصتين، انتهاؤهما بأكثر المشاهد دموية وإيلاما، دون تمعن في العواقب، ودون إصغاء للفطرة البشرية السليمة، وإن كانت هاتان القصتان قد صعدتا إلى السطح بهذا الشكل النازف والصريح، فعلينا أن نسأل: ماذا يختبئ خلف الجدران الإسمنتية من حكايات أليمة يتم التستر عليها؟

أظن أنّ الصدمة الأولى التي تلقاها المجتمع منبعها تماهينا الطويل مع فكرة أننا ننتمي إلى مجتمع مثالي متسامح ويفيض بالطيبة، بينما نحن في حقيقة الأمر كأي مجتمع آخر، يعتمل فيه الخير كما قد يعتمل الشر، فليس لنا ادعاء المدينة الأفلاطونية، ولذا ينبغي على دارسي علم الاجتماع وعلم النفس التطرق لدراسة هذا السلوك بصورة واعية ومدركة للتحولات التي تعبرنا. "تتعدّد صور وأنماط قتل النساء عالميًّا، من القتل على يدّ شريك حميم حاليّ، سابق، أو مُحتمَل" وكل ما فعلته وسائل التواصل الاجتماعي هو أنّها سمحت لهذه القصص أن تظهر للعلن، ولذا من المؤسف حقا أن تخرج أصواتٌ تلوم الضحية وتتعاطف مع الجلاد!

لكن من جهة أخرى علينا أن نفكر أيضا بجذر المشكلة، حيث تُشير بعض الدراسات لوجود ارتباط بين الأزمات الاقتصادية من قبيل - البطالة وانخفاض الأجور - وبين الانحراف السلوكي والتغير في معدلات الجريمة، فكما يُقال "اليد الفارغة أداة في يد الشيطان"، ولذا على الإعلام أن يفتح نافذة حول هذه المواضيع، وأن يسمح للناس أن تُمرر صوتها وما تشعر به من إحباطات عبر برامج تلفزيونية وإذاعية وصحفية، لأنّ التنفيس بالحكي هو أحد أشكال تخفيف العنف. بالإضافة إلى دور وزارة التنمية الاجتماعية في رفع الوعي المجتمعي بحقوق الإنسان، وثقافة التبليغ عند التعرض لأي شكل من أشكال الإساءة، وتوفير الخطوط الساخنة للاتصال الفوري، فالعنف المتوقع داخل الأسرة أكثر بكثير من العنف الخارجي، حيث يربط العلماء العنف بالتنشئة الاجتماعية، كما أنّ الأسر التي يسودها العنف، تدفع الأبناء لإعادة إنتاجه بما لا يقل ضراوة في المستقبل القريب.

من جهة أخرى علينا أن نواجه أمراضنا المجتمعية بتقبل وتفهم وتشجيع للعلاج، فبيننا من يُكابد اضطرابات الشخصية والوسواس القهري والاكتئاب والإدمان، لكنهم يمكثون في البيت عوض الخضوع للعلاج والمواجهة، الأمر الذي يُنتج المزيد من القيم السلبية المتطرفة المشحونة برغبات انتقامية. كما أنّ الوعي المجتمعي العام ما يزال يشجعُ الصمت على الإبلاغ.

"الحب واليأس قد يدفعان طرفًا في العلاقة، لقتل الطرف الآخر وتدميره حتى لو كان في ذلك تدمير لنفسه أيضا"، هذا ما يشير إليه كتاب "باسم الحب: التفكير الرومانسي وضحاياه"، فالشخصيات التي تُعاني اضطرابا عاطفيا، تخشى من هجر الشريك أو من فكرة الرفض.

تقول أميرة عكارة في مقال مهم بعنوان: "قتل مُشرعن" كتبته عقب مقتل نيرة أشرف في مصر، "ليس علينا تمييع وطأة الجريمة.. ثمّة مخزون نفسيّ لا واعٍ يبيحُ التفكير في العنف والقتل كخيارات، ويبيحُ تأديب الرجال للنساء كحقّ، وتعنيف الرجال للنساء كمصدر سلطة"، ولذا فهذه الحوادث التي تظهر من حين لآخر في أي مجتمع، تُعطي مُؤشرات أولية تستحق التمعن والدراسة والتحليل من قبل دارسي علم النفس والاجتماع، وعليه ينبغي النظر إلى القضايا من منظور أوسع كي تتبدى الحقائق بجلاء.