نوافذ : عناوين ..
shialoom@gmail.com
تمتلئ ذاكرتنا بخرائط ذهنية متشابكة من العناوين؛ إلى حد الإرباك؛ خاصة عندما تستوقفنا لأمر ما، نطرح من خلاله السؤال: إلى أي طريق أو اتجاه يجب أن نذهب، حيث تحضر العناوين هنا متدافعة وضاغطة بقوة الاحتمال أننا نريد هذا العنوان دون غيره.
فماذا يعني لنا ان يكون لنا عنوان؟ وهل حقا؛ أننا مجهولون بغير عناويننا؟ وأنه لا يوجد في هذا الكون أحد ما لايملك عنوانا ما؟ وماذا عن المشردين، والمنبوذين ممن يعيشون على الأطراف القصية من الحياة؟ وكيف يصل الآخرون إلينا؛ وكيف نصل إليهم دون أن يملكون أو نملك عنواين تحدد هوياتنا، وشخصياتنا، وانتماءاتنا، وحقيقتنا؟ أيعقل أن يلعب العنوان هذا الدور المحوري في حيواتنا؟ إذن نحن حقا مجهولون بغير عناوين؛ إذن نحن بعناويننا؛ أليس كذلك؟
وفي هذه الصورة يبدو أن المحصلة الذهنية للعنوان، هي كل ما يجيب عن هذه الأسئلة المطروحة وغيرها، ولنقس ذلك على ممارساتنا اليومية في الحياة، فمن يريد أن يذهب إلى شخص ما لا بد أن يكون عنوانه حاضرا وواضحا على امتداد خارطتنا الذهنية، وكذلك من يريد أن يذهب إلى مكان عام: مسجد، محل تجاري، معلم حضاري، قرية، مدينة، دولة، ففي كل ذلك لا بد أن يكون هناك عنوان واضح لهذه الأمكنة، والشخوص على حد سواء، وإلا لتهنا بين جنبات الجهات الأربع، ولا ندري لأي جهة نتجه، وعندما نقارب ذات الصورة للبحث عن هوية شخص، عن حالته الاجتماعية، عن شخصيته الإنسانية، عن شخصيته الاخلاقية، عن شخصيته المتميزة: في العلوم، في الفكر، في الأدب، في المناخات الاجتماعية المختلفة، لا بد أن يكون هناك عنوان ما يذهب بنا مباشرة إلى كل هذه التموضعات: الدين، الأسرة، القبيلة، النوع "الجندر" حتى المؤسسة الوظيفية تمثل أحد هذه العنواين التي نتحدث عنها، وخذ مثال من يسأل عن شخص ما في مسائل التزويج والنسب، فكم من العناوين أعلاه نحتاجها لكي نصل إلى هذا الشخص، ومن ثم يأتي القرار الحاسم بتزويجه أو عدم تزويجه، والأمر ينطبق على الطرفين الرجل والمرأة على حد سواء. القضية المهمة هنا أيضا أنه عندما تفقد عنوانا ما؛ لن يحل عنوان آخر محله؛ فليس يسيرا أن تجد عنواناً بديلاً لأي موضوع يمكن أن يخضع هنا للنقاش، فعناويننا محددة، كما هو الحال أننا متحددون بشخصياتنا، وبمنابعنا، فلا يمكن أن أحل مكان أخي، وكذلك العكس، فعناويني تختلف عنه، وهو كذلك، وأن تلاقينا على عنواننا الكبير الذي تفرعنا منه، والمنبثق من والدينا، مع أن هذا العنوان الكبير هو ذاته متفرع من عناوين أخرى مرت بنفس ما نمر به أنا وأخي، فهناك أعمام، وهناك أخوال، وهناك قبائل، وهناك بيوت، وهناك عشائر، وهناك بطون، وإذا تعمقنا أكثر؛ هناك هرمونات التي يقودها الشيخ (DNA) وحتى هذا الشيخ لم يستطع أن يوحد عناوينه على امتداد خارطة النشأة والتكوين، فبصماتنا وأشياء كثيرة في أجسامنا تختلف عن كل فرد منا، ولو جمعتنا أم واحدة.
إذن والحالة هكذا علينا كثيرا ان نتمسك بعناويننا التي تحدد هوياتنا، وانتماءاتنا، وأخلاقنا، وديننا، ومكتسباتنا، ومواقفنا، وقناعاتنا، فهذه كلها عناوين مهمة لن يصل الآخرون إلى تحديد حقيقتنا إلا من خلالها، وكلما أحْسَنَّا واعتنينا بعناويننا، كلما ألتحمنا بحقيقتنا، فلا نصاب بأي شيء يمكن من خلاله أن تُقرأ عناويننا بصورة مغلوطة.