نوافذ :عمليات من التطهير

04 أغسطس 2023
04 أغسطس 2023

shialoom@gmail.com

حالات من التناص الوجداني المرهف تشتعل به النفس في حالات من الضعف؛ الذي يصعب وصفه؛ فما بين الإنسان ونفسه جولات من الضعف، وبقدر القوة التي تستمرئ حيواتنا بصورة أفقية؛ أغلبها؛ يأتي الضعف ليسقط هذه القوى في عمق مغارات النفس، فتبدو ذليلة مستسلمة، تنتظر قوة أخرى غير معهودة لتنتشلها من تناصها هذا، ولذلك فهي تذرف الدموع مغزارة؛ تنحت على الوجوه المصفرة من أثر الحزن، واللوم، والندم، والأسف، فتدمي جوانبها المعفرة بأدران الذنوب.

كم شاهدنا آخرين من حولنا لَفَّهُمْ هذا الانكسار، إلى حد الشفقة عليهم، وقد نستسهل أوبتهم هذه إلى حيث الحقيقة الغائبة من حساباتنا اليومية، وقد ننكر عليهم هذا الضعف، فـ «الحياة» في تقييمنا للحظتها الراهنة؛ تحتاج إلى كثير من الجَلَد والشجاعة والمبارزة والنصر، وخاصة عندما لم نعش تجربة الهزيمة في أمر ما، وما أكثر ما ننهزم به ضد الكثير مما يحيط بنا، فلا نملك إلا الاستسلام المطلق لحالة الضعف هذه التي نتحدث عنها.

قد تفسر مثل هذه الحالات على أنها حالات من اليأس، ولكم نشعر بأن كل الأبواب المشرعة أمامنا قد أغلقت، ولم يبق إلا باب الملك الديان؛ الذي لا تنغلق أبوابه إلى حد «الغرغرة» ولذلك نعيش في المسافة بين لحظتنا هذه ولحظة الغرغرة حالات من تبدل الأحوال، بين قوة وضعف، بين انتصار وهزيمة، بين كر وفر، ومن يدرك هذه التموضعات كلها، ويدرك مآلات الكثير منها، فقد اقترب كثيرا من الوصول إلى الحقيقة المخفية عنا، وبذلك قد ملك ناصية نفسه، وسيرها إلى النهايات الآمنة، ومن خفي عليه الكثير من ذلك فلربما قد يحتاج إلى صدمة قوية؛ حتى يفيق من غفوته، ومتى أفاق اقترب من حقيقة نفسه. يقول شمس التبريزي في هذا المعنى: «أيا كان ما يحدث لك لا تقع في اليأس، فحتى لو أغلقت جميع الأبواب سيظهر لك طريق سري لا يعرفه أحد !» - انتهى النص -.

تتكاثر الذنوب؛ وتتزاحم علينا من كل صوب، وتتقاسم معنا مساحة ضيقة في زوايا النفس الصغيرة؛ مع أن النفس ليس حالة مادية ليتم استئصال هذه الأجزاء الملطخة بأدران السيئات، وهذا مما يُصَعِّبُ المهمة، فلم يبق لهذه النفس إلا أن تستشعر ضعفها وندمها، وقلة حيلتها، فتعيش هطولة الدموع تستنزف كل ما لديها؛ «فرب الكون ما أبكاك إلا لتعلم أن بعد العسر يسرا» - كما يقول إيليا أبو ماضي. فالمهم أن تتطهر لتعود كما ولدتها أمها على الفطرة السوية، وعلى الرغم من حالات التطهر المستمرة هذه، إلا أن النفوس لا تزال تعيش تألقها الماكر في كثير من المواقف، وعندما يباغتها الندم تعود من جديد، لتعيش حالة تطهير جديدة.

عمليات التطهير ليست حالات صعبة، وقد تكون حالات يسيرة، ولكن تحتاج في الأولى إلى موقف صادم، يعيدها إلى مربعها الأول «الفطرة» وفي الثانية تحتاج لأن تلازم حقيقتها المغيبة بفعل مشاغل الحياة: «والنفس راغبة إذا رغبتها؛ وإذا ترد إلى قليل تقنع» هذه القناعة التي تحتاج إلى فعل «ميكانيكي» لتوثيقها وتأكيدها هي التي تسهل من عمليات التطهير المستمرة، وإلا وجد الإنسان نفسه في خندق ليس يسيرا الخروج منه، فالأحداث تحيط به من كل جانب، في وقت هو في حاجة في أن يعيش مع حقيقة نفسه.