نوافذ : عزة النفس ..

01 يوليو 2022
01 يوليو 2022

shialoom@gmail.com

تفرض عزة النفس سطوتها؛ كأول مشروع إنساني؛ ذاتي ينتصر فيه الفرد لذاته؛ أكثر من أي اعتبار آخر، ولو وقف كل الناس ضده، ويعد ذلك من المواقف الصعبة جدا، وليس بمقدور أي أحد أن يكون في هذا الموقف؛ لضرورة تحقق مؤهلات شخصية؛ قد تكون نادرة في بعض الأحيان، لأنه في مواقف "عزة النفس" غالبا؛ ما تكون مفاضلة بين أمرين أحلاهما مر، ولكن لأن (عزة النفس) اختيار فردي، فإن الامتحان صعب، وإن الموقف جلل، ولذلك تمثل هذه الـ "عزية" شيئا محوريا في حياة الإنسان، ليس فقط لأنها تنتصر للذات الفردية الخاصة جدا، ولكن فوق ذلك تكسب صاحبها شيئا من التميز، مع أن عزة النفس هي قاسم مشترك بين جميع الناس؛ بلا استثناء، والاستثناء هنا يخرج عن قاعدة هذا القاسم المشترك، ويتمثل بعضه في مسألة النسبة والتناسب بين الأفراد.

ولذلك هناك من أورد نفسه موارد الهلاك؛ فقط لأنه عزيز النفس؛ حتى لو علم أن عزته هذه سوف تهلكه، وقد أعاب الشارع الحكيم هذه العزة عندما يكون الإنسان في بعض المواقف التي تورده موارد الهلاك، وقد جاء النص الكريم في قوله تعالى: (وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم؛ فحسبه جهنم ولبئس المهاد) - (206) من سورة البقرة -. وقد سمعت من كبار السن الكثير من القصص التي يوقع فيها الإنسان نفسه مواقع الهلاك، مع علمه اليقين، أن الموقف الذي يغالط فيه نفسه، هو الحقيقة بكل نصاعتها، ومع ذلك؛ وحتى لا يوصف بالذل والمهانة؛ كما يعتقد، يناصر نفسه في عزتها، وكبريائها، ولو أدى ذلك إلى هلاكه؛ كمن يحلف يمينا "غموسا" وهو يدرك أنه يقسم على غير الحقيقة، فالمهم ألا يظهر أمام الآخر بأنه ضعيف أو مهزوم، وهذا – بالطبع – ليس من الحكمة في شيء.

صحيح أن عزة النفس لا يحملها من يوصف بالنذالة، كما جاء في النص: "وعزة النفس لا توجد في الأنذال؛ وشامخ الرأس ما يخضع ولو يهلك" ولكن عندما يكون الهلاك هو الهلاك في الآخرة، كما جاء في نص القرآن الكريم أعلاه، فإن المسألة تحتاج إلى كثير من التروي، وعدم المجازفة، فالعاقل لا يضحي بالآخرة لأجل الدنيا، مهما كانت الأسباب، أما في غير ذلك، فنعم، وألف نعم لعزة النفس، وكرامتها، فهي الخيار الذي يجعل لنفسه قيمة، ولو خسر ما ربح به الآخرون، فالنذالة؛ وهي المتصادمة مع عزة النفس؛ لا يرتضيها إلا أصحاب النفوس الضعيفة، والوضيعة التي تستوطن المذلة والمهانة، فالمهم ألا تخسر، ولو أدى هذا الهوان إلى إراقة دم وجهه، كما يقول أبو الطيب المتنبي: "من يهن يسهل الهوان عليه؛ ما لجرح بميت إيلام".

ويظل هناك فرق بين التنازل عن حق ما، لأجل مصلحة عليا، وبين عزة النفس، فالأول هو إصلاح لمثلبة ما، وفي الثاني؛ عندما تكون في غير موقعها هلاك، واتساع لمثلبة أخرى، وكما يقال: "الإنسان طبيب نفسه" يعرف مواضع الألم، فيعالجها، ويعرف مواضع الصحة فينميها، ويزيدها صلابة وقوة، فيعفو عن قدرة، ويتنازل عن قوة، فذلك من العزة؛ ولا خوف.

* أحمد بن سالم الفلاحي كاتب صحفي عماني