نوافذ :عتمة الأبواب المغلقة
shialoom@gmail.com
هل يقلقنا كثيرا أن نقف طويلا أمام الأبواب المغلقة، فالحياة لم تخلق لأن تترجل عن مشاريعها اليومية، وهي المشاريع النابضة بالحركة والحيوية والديمومة والتفاؤل؟
فعندما تصادفك أبواب مغلقة؛ يقينا؛ تقف دونها فتعطل عندك حركة الحياة، وقد تحملك أعباء نفسية غير منكورة، وقد تبحث عن طريق آخر غير سوي، لعلك تجد فيها انفراجا لمشاريعك، وقد تبحث عن وسيلة لفتح هذا الباب أو ذاك لكي تواصل مسيرك، فأنت خلقت لأن تسير، لا أن تتوقف، وأن تعمل؛ لا أن تبقى بلا عمل، وأن تقيم علاقاتك؛ لا أن تعيش وحيدا، وأن تضيف لمكتسباتك رصيدا ثانيا؛ وثالثا؛ ورابعا؛ لا أن تعيش على رصيد واحد، محتمل أن يذهب في غمضة عين، وأن تتعدد عندك الرؤى، لا أن تحبس نفسك على رؤية واحدة؛ قد تذبل مع مرور الأيام، فالنفس الواحد لا يسعفك لأن تصل إلى آخر النفق لكي ترى النور.
فالعمر مساحة من العطاء، وإن كان محدودا بفترة زمنية فلا يحتمل أن تكون هناك موانع (أبواب مغلقة) تحد من عطائه، وتحد من مساهماته، وتحد من تأثيره، وتحد من قدرته على إضافة لبنات جديدة في مسيرة حياة صاحبه، أو مجموعته الإنسانية ككل، وفترة الشباب عند الإنسان مشروع ممتد على مساحة الأفق المرئي، وغير المرئي؛ تتنافس من خلاله مختلف القوى الفاعلة في الذات الإنسانية، ولذا فهي لا تحتمل أية لحظة للتوقف، ولا تقبل أي باب يمكن أن يغلق في وجه مسيرتها، أو أي إطلالة لمغيب شمس؛ والانتظار حتى شروق شمس آخر ليوم جديد، فدوافع القوة الذاتية ومعززاته من الفتوة والنضارة، والهمة والصبر لا يمكن أن تختزن كقوة احتياطية ليوم قادم جديد، فبقدر اتساع الحلم، يكون للمشروع الشبابي فعل مؤثر وحاضر ومبتهج بنضارته.
الحياة مجموعة من الأبواب معظمها مغلقة، وموصدة بأقفال ليس من اليسير فتح بعضها، ومع ذلك فالناس يتعايشون، وينجزون مهامهم اليومية، ويتبادلون المنافع، ويتجاوزن محطات الإخفاق، ويتنقلون من مناطق الظلام إلى مناطق النور، يلبسون الحياة على صعوبة مظانها الكثيرة شيئا من التفاؤل، وشيئا من روح الأمل المشرقة، هذه الصورة الآمنة التي نعيشها جميعا؛ ولا ندركها في أغلب الأحيان، كثيرا ما تنسينا صدمة المواقف عندما تصد في وجوهنا بعض الأبواب، فنتأزم، ونتشاءم، ونلبس الحياة ثوبا من القنوط، وعدم الرضى، فتظهر لنا الحياة على أنها وجه واحد فقط، وأن الناس على شاكلة واحدة، وأن الحياة عبارة عن مجموعة الحيتان تأكل بعضها بعضا.
«الأبواب المغلقة» إشكالية موجودة، ولا يمكن إنكارها، ولكن يمكن تخطيها بكثير من الحكمة، وبكثير من الصبر والتروي، وكلما اتسعت رؤيتنا للحياة، وتراكمت خبراتنا فيها، استطعنا تجاوز الكثير من الأبواب المغلقة، فالمسألة معنوية بالدرجة الأساس، وحتى الأبواب المادية لها مفاتيح يمكن أن تتوغل في دواخل جوانبها لتفك أسر إغلاقها، وإن كان الأمر ليس يسيرا للكثيرين من الناس، ولكن لن يكون مستحيلا لهؤلاء الكثيرين، لأنهم ضمن الخاصة من الناس الذين تتيسر لهم سبل الولوج إلى مظان الأشياء، ليس لأنهم يمتلكون قدرات خاصة، ولكنهم يمتلكون الكثير من الحكمة، ومعظم الناس ليسوا محرومين من هذه الحكمة، وكما يقال: «الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق بها».