نوافذ :عاديون جدا

07 أبريل 2023
07 أبريل 2023

shialoom@gmail.com

كثير ما يقع أحدنا في مستنقع أوهام؛ التميز المبالغ فيه، إلى حد شل التفكير إلا في البحث عن ما يجب أن «يميزنا عن الآخر» بأي صورة أو هيئة، ولذلك ندخل أنفسنا في مقارنات مع الآخر، ونغالي في تحميل أنفسنا ما لا تطيق، ولذلك فمجموعة المقاييس التي نقارن بها أنفسنا مع كل من حولنا تضعنا في حالة من اليأس أكثر منها الأمل، ونظل محرجين أمام أنفسنا بصورة دائمة، لعدم بلوغ الهدف، ولهدف ليس بذات القيمة التي تستحق هذه التضحية بالتفكير المفرغ من مضمون القيمة الإنسانية.

وحركة الحياة من حولنا لا تقف عند حد معين، فهذه الحركة هي التي تنقل الأشياء من أماكنها فتعلي بعضها، وتسقط الأخرى في وحل ذات المستنقع الذي نقيس عليه مآلاتنا اليومية، ولأن السقوط لا نقبله، فإنه لا يستوقفنا إطلاقا؛ حتى نتيح لنا فرصة التأمل أو المراجعة، وإنما تشرئب أعناقنا إلى هذا العلو المؤذي، والمربك، والمقلق، وتستمر الحالة حتى نتعرض لصدمة قاسية، أو تلهمنا تجربة الحياة شيئا من التعقل والتوازن، في وقت قد يكون مناسبا لأخذ العبرة، فقد تلاشت الأشياء من بين أيدينا، فلا العمر - بثقله - يسعف، ولا الصحة - باعتلالها - تنقذ، ولا مجموعة المعززات الأخرى - التي كنا نتكئ عليها من حولنا - يصبح لها أثر مهم.

إذن؛ وما دام الأمر كذلك، فلماذا لا نقوم بحركة استباقية؛ قبل أن يخيم علينا وهم التميز المبالغ فيه؛ نسبقه بشيء من القناعة والرضا، وأن ما نختزنه من الإيمان، ومن السمت، ومن القناعة، ومن الخبرة، يعفينا من مذلة الوقوع في شباكه، و«رحم الله إمرءا عرف قدر نفسه» فمشكلة الغالبية منا، أننا نعيش قراءات مغلوطة لما يسمى بـ «قدر نفسه» ومن جملة ذلك، أن أغلبنا لا يستطيع أن يكتشف أنه عادي جدا في نظر الآخرين، وأن مجموعة الأحمال «النفسية» التي نحملها أنفسنا بوهم التميز؛ ما هو إلا سراب يتلاشى مع أول خطوة للعودة بعد أي حضور صاخب جمعنا بآخرين من حولنا، فالآخرون لا يهمهم كثيرا هذه الهالة من الوهم التي نحيط بها أنفسنا في حضرتهم، وليس بعيدا أن تتغامز علينا العيون؛ معيدة قراءتنا من رؤوسنا حتى أخمص أقدامنا؛ مرات عديدة لمزيد من القناعة بأننا وحدنا من يعيش مع شخوصنا فقط، وكل من يحضر هناك لا نشغلهم بالقدر الذي نفكر فيها، أو نلبسه أنفسنا من أوهام.

من إشكاليات قراءة الآخر في أي تجمع كان، وما بين أحضان المجتمع الصغير الذي تعيشه، أنك تعيش بين أربع زوايا؛ الأولى: هناك من يعرفك، والثانية: هناك من يكرهك، والثالثة: هناك من لا يعرفك، والرابعة هناك من يحبك، كما جاء ذلك في قول الدكتور مصطفى محمود - رحمه الله -: «لا تحاول تحسين صورتك لأحد، كلنا عاديون في نظر من لا يعرفنا، مغرورون في نظر من يكرهنا، جيدون في نظر من يعرفنا، رائعون في نظر من يحبنا» - انتهى النص - فهذه المقاييس التي يضعها الآخرون، قد تشكل حكما مطلقا في التقييم، عرفنا ذلك أو لم نعرفه، وبالتالي أي خروج عن هذه الصورة في أركانها الأربعة التي جاءت في النص أعلاه، نضع أنفسنا في حرج شديد، وهذا الحرج منبعه أن أي تميز يسعى إليه أحدنا يحتاج إلى معززات فطرية، ومادية، وبدون ذلك فالأشياء لن تأتي من رحم الفراغ.