نوافذ .. حلم أخضر

30 أغسطس 2022
30 أغسطس 2022

صديق لندني أراني من هاتفه النقال صورة مركبة لمصدر نهر التايمز في جلوسسترشاسر البريطانية قبل وبعد جفافه ولا يفصل بين الصورتين سوى ستة أشهر فقط قائلًا وبشيء من الرعشة في جسمه «هذا بسبب التغير المناخي».

صور أخرى عن الجفاف وارتفاع درجات الحرارة في عدد من الدول الأوروبية تم تداولها خلال هذا الصيف في إشارة وتحذير واضحين من أن موجة الجفاف التي تمر بها القارة الأوروبية قد تطول لسنوات عديدة قد تؤدي إلى كوارث بيئية منها على سبيل المثال حرائق الغابات وانحسار رقعة الأراضي الخضراء المزروعة وهجرة أو وفاة بعض الحيوانات والطيور وغيرها من العوامل التي يسببها الجفاف وارتفاع درجات الحرارة.

مشهد على الجانب الآخر من الكرة الأرضية يظهر حجم الفيضانات المدمرة التي ضربت هذا الصيف أيضا عدد من الدول الآسيوية والإفريقية على سبيل المثال الفيضانات الأخيرة التي حدثت في الهند وباكستان وتسببت في تشريد الآلاف من الأسر وتسببت في إغراق المنازل والمحاصيل الزراعية ونتج عنها مئات من الوفيات يقول عنها من عاصرها بأنهم لم يشهدوا مثلها في حياتهم. مشاهد أخرى لذات الفيضانات والخسائر تكررت في السودان وأفغانستان واليمن وبنجلاديش والصين ولدينا في سلطنة عمان أمثلة على هذه الأعاصير والفيضانات التي باتت تتكرر وبشكل مستمر وتتسبب في كثير من الخسائر في الأرواح والاأنفس والممتلكات.

قد يقول قائل بأن هذا هو حال الدنيا بين محل وخصب وجفاف ويبس وانقطاع للقطر وفيضان للماء فهذه مشيئة الرحمن ولا دخل للإنسان في ذلك ولا علاقة لما يحدث في الكون بما يسمى بالاحتباس الحراري أو التغير المناخي أو غيرها من الكلمات المطاطة التي يستخدمها علماء البيئة والمناخ لوصف بعض ظواهر الطبيعية التي تحدث بين الفينة والأخرى في أجزاء من العالم شرقه وغربه شماله وجنوبه، غير أن العلوم بكافة أشكالها وأصنافها وأنواعها تقول إن ما يحدث من ظواهر الأعاصير وعلى نقيضها الجفاف هي بسبب الإنسان وتدخلاته في المساس بالأنظمة البيئية ومحاولته التغيير والتعديل والتبديل في البيئة التي يسكنها.

تقول الأمم المتحدة: إن تغير المناخ يعني تحولات طويلة الأجل في درجات الحرارة وأنماط الطقس، وقد تكون هذه التحولات طبيعية تحدث من خلال التغيرات في الدورة الشمسية، غير أنه ومنذ القرن التاسع عشر أصبحت الأنشطة البشرية هي المسبب الرئيسي لتغير المناخ بسبب حرق الوقود الأحفوري كالنفط والغاز ما ينتج عن هذا الحرق من انبعاثات غازات مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان التي تتسبب في حبس حرارة الشمس ورفع درجات الحرارة.

هذا ما تقوله الأمم المتحدة المنافح الأول عن البيئة وشؤونها وشجونها من أن التدخلات البشرية غير المنظمة وغير المسؤولة وغير الواعية وغير المراقبة هي المسؤول الأول عن تدمير البيئة وعدم استدامتها والمحافظة عليها ويتضرر من ذلك كل من الإنسان ذاته والأجيال التي تعقبه والحيوان والطير وكل من يعيش على هذا الكوكب الجميل من حياة، ويبقى السؤال عن السبل الكفيلة للسيطرة على التغيرات المناخية والتخفيف أو التكيف معها فرديًا ومؤسسيًا التي يسعى الإنسان ومنظماته العالمية إلى تحقيقها وبالتالي تحقيق الرخاء والسلام والعيش الآمن المطمئن لكل من يعيش على هذا الكوكب؟

قبل الإجابة عن سؤال الفردية سأعرج إلى جواب المؤسسية من خلال مثال للسياسة البيئية الصارمة التي نتبعها في سلطنة عمان والتي أصبحت مثالا جيدا يشار إليه بأنه من أفضل الممارسات البيئية في العالم من خلال سن القوانين والتشريعات التي تضمن صون البيئة الطبيعية للإنسان والحيوان وعدم المساس والإخلال بركن من أركان هذه المنظومة سواء في الجانب الصناعي، أو التجاري، أو الفطري، أو غيرها من الجوانب التي تراعي البيئة أولا ومن ثم المشروعات التي تحاول الاستفادة من البيئة ومقوماتها، وهذا ما يحدث حاليا في الانتباه مبكرًا إلى موضوع التغير المناخي والاحتباس الحراري حيث يعكف القائمون على المناخ في تحديث لائحة إدارة الشؤون المناخية ومتابعة أداء الشركات والمنشآت في مجال الشؤون المناخية والعمل على صياغة قانون شامل للتغيرات المناخية يضمن استدامة البيئة وأمنها.

التقليل من غازات الانبعاث الحراري والوصول إلى ما نسبته 7% فقط من هذه الانبعاث بحلول عام 2030 هو الركيزة الأساسية التي تسعى سلطنة عمان حاليًا إلى تحقيقها في مجال التغير المناخي مع دول العالم المختلفة التي وضعت نسبة الصفر من انبعاثات الغازات الدفينة بحلول عام 2050.

وقد يكون هذا الطريق هو الضمان الأول والأخير لبيئة مستدامة خالية من مفاجآت الكوارث والحوادث والفيضانات والجفاف وربما يكون هو صمام الأمان الدائم للعيش والتعايش على هذا الكوكب الأزرق جنبًا إلى جنب مع باقي الكائنات الأخرى.

أما جواب السبل الفردية للمساهمة في الحد من التغيرات المناخية والتخفيف منها فعلى كل فرد مسؤولية شخصية في التقليل من الآثار السلبية لهذا التأثير ابتداء من تقليل الطاقة المستخدمة في المنزل والانتقال إلى الطاقة الخضراء النظيفة والتقليل من استخدام الغازات والعوادم الضارة بالبيئة والتقليل من استخدام وسائل النقل التي تستخدم غازات الانبعاث الحراري والتخلص الصحيح من النفايات وإعادة استخدامها وغيرها من الطرق التي يمكن للفرد قبل المؤسسات البدء في تطبيقها للحد من هذه الظاهرة.

أجزم بأن التربية البيئية والغرس البيئي المعرفي منذ الصغر هما الضمان الأول لإيجاد جيل واعٍ وموقن بـأهمية البيئة وضرورة الحفاظ عليها وربما يتمكن الجيل الجديد مع التربية البيئية الجيدة من تحقيق الحلم الأخضر بالوصول إلى النقطة صفر في خفض انبعاثات الغازات الدفينة.