نوافذ: تعليم إلكتروني وثلاث مشاكل!
قبل أعوام قليلة، وضعَنا «فيروس» مجهري في مواجهة قاتلة مع ضآلتنا البشرية، وهو آخذ في سحق ما ظنناه حضارة حصينة، فانهارت السدود المنيعة لكثير من قطاعات الصحة، وقوى الاقتصاد في العالم، وكان التعليم بصورة أو بأخرى مهددا بانزياحات لا عودة منها.
لكن وفي تلك اللحظة الفارقة من حياتنا جميعا، أُجبرت أغلبُ المدارس على التحول من التعليم التقليدي إلى التعليم الإلكتروني، فظهرت «منصات» خادمة لهذا التوجه، وقد شاب تلك المرحلة بعض الأخطاء والإخفاقات، كما قد يحدثُ مع أي تجربة جديدة في ظرف استثنائي.
آنذاك صُرفت الجهود والمبالغ المالية على «المنصات» وعلى تدريب الأساتذة ليتمكنوا من التعامل معها، لكن وبمجرد أن فكت الجائحة خناقها، عدنا إلى ما كنا عليه، بينما استفادت دول أخرى من الدرس القاسي الذي لقننا إياه «الفيروس»، فأسست أطواق حماية جديدة للتعليم على نحو خاص.
فعوض أن تترك لنا الجائحة في بلدنا نظاما مُتقدما يُلحقنا بلغة العصر، خلّف لنا كارثة اسمها جروبات «الواتس أب»، تلك الوسيلة الرديئة التي تستهلكُ وقت أولياء الأمور، قدر استهلاكها المضني لوقت المعلمين! فصرنا أمام خيارين ضيقين أحلاهما مر: إمّا أن نتفاعل مع جروبات «الواتس أب» حول مسائل لا تخصنا وإنّما تخص أبناءنا الطلبة، مما يعني تحولهم إلى كائنات مشلولة عن إدراك ما لهم وما عليهم من مهام يومية! وإمّا أن نسمح لهم باقتناء الهواتف لنزيح عن أنفسنا هما، بينما نتورطُ في مشاكل من نوع آخر!
تكتفي «المنصات» الآن بمهام قد لا تتعدى نقل الطلبة من مرحلة إلى أخرى، وكان الأولى أن نُكمل بواسطتها ما كنا قد بدأناه، فيصبح لكل طالب من الطلاب حساب مُفعل، تُرسل عبره الواجبات والدروس التي ينبغي تحضيرها، ونتابعُ كأولياء أمور تقدمهم التعليمي عبر أيقونة مُخصصة، تتيح لنا فسحة الالتقاء بالأساتذة وملاحظاتهم دون الحاجة إلى التكدس البشري الهائل وقت الاجتماعات الدورية.
كان بإمكاننا أيضا الاستعانة بهذه المنصات فيما لو طورت وزودت بالدروس المسجلة أو التفاعلية ونماذج الامتحانات في القضاء على الوباء الأشد فتكا بالتعليم الآن، أعني ظاهرة الدروس الخصوصية. وبينما يُغير الذكاء الاصطناعي وجه العالم وينسف إيقاعه المتواتر، يُسلم أبناؤنا الطلبة أنشطتهم وبحوثهم ورقيا، ونضطر للذهاب إلى المكتبات في أوقات متفاوتة من اليوم لطباعة مشاريع كل ما تفعله إهدار الوقت والمال، فمصيرها المحتوم سلّة القمامة في آخر العام الدراسي!
من المؤكد أنّ ثلاث مشاكل ستواجهنا فيما لو فكرنا بتطوير منصاتنا التعليمية، ستتمثل المشكلة الأولى في عدم توفر الأجهزة عند العديد من الأسر، لكن علينا أن نتذكر أنّنا بدأنا وقت الجائحة بمصاعب أكبر، وقد شقت خطوتنا الأولى الطريق، وإن لم تكن خطوة مثالية، ولكن كان يمكن أن نُراكم عليها المزيد من الجهد والتحديث عوض أن نختار التوقف!
كل ما علينا فعله الآن هو حصر الأسر التي ستحتاج إلى أجهزة، ومن ثمّ بناء استراتيجية لتوفيرها بدعم حكومي وخاص.
تتمثلُ المشكلة الثانية في ضعف شبكات الإنترنت لاسيما كلما ابتعدنا عن مسقط، والسؤال: لماذا لا يكون هنالك تعاون بين وزارة التربية والتعليم وبين شركات الاتصال في عُمان لتذليل هذه المشكلة؟ وإن كان من الصعب إحاطة عُمان كلها بشبكة قوية من الإنترنت، فلنبدأ بمحافظة مسقط، لنبدأ على نحو تدريجي بدلا من النكوص بخطواتنا إلى الوراء!
المشكلة الثالثة وهي الأكثر صعوبة، تكمنُ في عدم وجود بيئة تعليمية مُهيأة لدينا، إذ من المُؤكد أنّ الوزارة إن رغبت في استعادة «المنصات» فإنّ المعلم المثخن بالنصاب المرتفع من الحصص سيكون أول من يقول: «لا». يكفي أنّ حياته تتشرذم وهو ينقل أبناءه عبر منصة «منظرة»، ويرصد إجازاته عبر منصة «مورد»، ويُقيد أهدافه في منصة «إجادة»!
كل ما علينا أن نفكر فيه الآن: كيف يمكن أن تكون المنصات الإلكترونية بالدرجة الأولى عونا للطلاب وللكادر التعليمي ولأولياء الأمور، لا فخا جديدا لأعباء غير متوقعة؟
لم يعد الاقتصاد العالمي ينفصل عن المعرفة والتعليم، بل ينهضُ عليهما أكثر من أي وقت مضى، هذا ما أشار إليه الكاتب كيفن واتكنز في مقال له بعنوان «الاستثمار في المعرفة.. الحل الأمثل لأزمنة التعليم العالمية»، وقد أكد واتكنز أنّ مشكلة حكومات الدول النامية تكمن في كونها تُعطي الأولوية لسداد قروضها، أكثر مما تفكر في الاستثمار في رأس المال البشري المتمثل في التعليم. بعضُ هذه الدول، «لديها أفضل الطرق والجسور على مستوى العالم، ولكن لديها أنظمة تعليمية محدودة الجودة لا تؤدي دورها بشكل جيد وسريع فيما يتعلق بالنمو الاقتصادي طويل المدى والتنمية البشرية».
وبما أنّ العالم ليس بمنأى عن الأوبئة والحروب والتحولات، فالاستثمار الأبقى هو الاستثمار في جوهر التعليم والمعرفة.
هدى حمد كاتبة عمانية ومديرة تحرير مجلة نزوى