نوافذ : تحلم بـ"خيمة"
shialoom@gmail.com
تشكلت صورة ذهنية، كرستها الوسائل الإعلامية، وهي ربط تحقق الأمنيات، والأحلام والآمال بالأعوام الميلادية، حيث تسخر هذه الوسائل برامج خاصة لاستنطاق هذه الذاكرة فيما تحلم به في عامها الجديد، وجرت العادة على هذا المنوال، وتتوالى الأعوام تلو الأخرى، والحال لا يزال يرابط مكانه، فالفقر هو الفقر، وانعدام الأمن هو نفسه، والخوف والهلع، من شيء سوف يحدث، باق، والأخطاء في مستوياتها المختلفة تتسابق بالجملة، والبشرية تلعن وتأكل بعضها بعضا، والآراء والحوارات الأحادية قائمة، وفرض السلطة الجبرية من قبل مردة شياطين الإنس قائم، وحالات الإقصاء، حتى في أبسط الحقوق، قائم، والاحتلال قائم، والحروب ظاهرها وغائبها قائمة، وتنكيل الشعوب قائم، والتنافس على سلب الفقير والمحروم، من أبسط حقوقه، قائم، واجترار المبررات، والتنظيرات باق، والتركيع، والتنغيص لمن يود أن يحلم بدقيقة من الحرية قائم، فالإنسانية هي هي لم تغير صورها النمطية التي قامت عليها منذ بدء الخليقة، وكل ما يثار من حقوق الإنسان، يبقى تنظير في تنظير، ومع ذلك فالناس لا يزالون يقاومون لكي يعيشون، ولا يزالون يحلمون لكي يواصلون إكمال نهار الغد، ولا يزالون يتمنون بأن هناك إضاءة في آخر النفق لعل لها أن تفتح لهم مسارات لأفق ممتد، وما بين حلم وحلم مسافة زمنية يغمضون فيها أعينهم يعانقون فيها غفوة، لا تمكث طويلا حتى تفتح لهم صفحة يتوقعونها جديدة، فإذا بها تكرر ذات الصور النمطية التي ألفوها، وأصبحت جزءا من تكوينهم النفسي، فلم يعدوا يفرقون بين أوراق الحياة النضرة من اليابسة، ويأتي العام الجديد بذات الليلة التي تطفئ فيها العيون آخر شمعة في عامهم المنصرم، لتوقد شمعة أخرى لعل لها أن تكون أكثر بريقا، وتستمر الحياة.
في مشهد مؤثر جدا، نقلت إحدى الفضائيات أمنيات أناس يعيشون في مخيمات للاجئين، ماذا يبقى من حال إنسان يعيش في مخيم تذروه الرياح من الجهات الأربع، في صقيع الشتاء، وزمهرير الصيف، سوى ذلك النفس المتشنج يرى في الموت أفضل نهاية من حياة تكسوها القسوة والذل والمهانة، بث لنا هذا المشهد أمنيات طفلة لا تتجاوز ربيعها التاسع، أو أقل تحلم بأن يكون لها ولأسرتها في العام الجديد "خيمة" ومن فرط المفاجأة كرر مراسل القناة التلفزيونية السؤال، فردت عليه بنفس الإجابة، أنها تحلم بوجود "خيمة" هذا هو عصرنا الجميل الذي تتنافس فيه الأمم على إنشاء حيوات في الفضاء، وزراعة النجوم، والعمل على تجهيز الحيوات الإلكترونية، هذا هو عصرنا الجميل التي تتكثف فيه المؤتمرات لمحاربة الأسرة، وتشجيع المواليد غير الشرعيين، وتأجيج المثلية، والعمل على العودة بأقصر الطرق للعودة إلى الجاهلية الأولى، حيث يأكل الناس بعضهم بعضا، وإذا كانت صور الكهوف قد نقلت إلينا كيف يطارد الإنسان الإنسان ليروي نهمه الفطري، فالحال لم يتغير في عصرنا الحديث المتوج بناطحات السحاب، والملابس الزاهية، والسيارات الفارهة، والطائرات والسفن العابرة للقارات، فهذه كلها صور لتغطية هذه الفطرة عن ممارساتها القذرة قبل أن تظهر إلى العلن، لأن في ظهورها واقعا مقززا ومرعبا ومخيفا.
(تحلم بخيمة) لأنها لم تعش سوى على خيبات من الأمل، والطموحات والآمال التي تحلم بها لليوم التالي، فإذا بالأيام تعيدها إلى مربعها الأول يوم أن خرجت من بيتها مكسورة الجناح تجر أذيال الخيبة والهزيمة، والذل. فعن أي أحلام تتحدون، وبأي آمال تحلمون؟!