نوافذ :بين مفترقين
shialoom@gmail.com
يبدو أن هناك علاقة بين العمر الزمني وعمر الحياة للإنسان ذاته، وهذه العلاقة تضادية؛ أي نمو أحدهما على حساب الآخر، والأمر الأكثر واقعية في هذه التضادية أنه لا خيار ثالثا متاح؛ فالمسألة محسومة بفعل الواقع الذي يعيشه الإنسان؛ منذ طفولته المبكرة، وإلى أن يصبح من العمر عتيا، وتتضح الصورة كالتالي: أولا: العمر الزمني المقصود هنا هو سنوات العمر التي يقضيها الإنسان في هذه الحياة، وهو عمر؛ وإن بدا يزداد فهو في حقيقته ينقص، فمن كتب الله له عمرا لـ (60) عاما؛ على سبيل المثال؛ فهذا العمر ينقص كلما قطع الإنسان يوما من عمره، وليس سنة فقط، حتى يصل إلى اكتمال هذا العدد؛ فيغادر هذه الحياة؛ إذن هنا العمر ينقص، ولا يزداد.
ثانيا: عمر الحياة- وهو عمر تراكمي- والمقصود به مجموعة التجارب، والمواقف، والخبرات التي يكتسبها هذا الإنسان طوال الـ (60) عاما؛ كما هو المثال أعلاه، ومن المعلوم بالضرورة أن التجارب والمواقف والخبرات، كلها مرشحة للزيادة والنمو، فكلما قطع الإنسان عمرا زمنيا مقدرا ازدادت خبراته بكل ما يحيط به في حياته اليومية، حيث يصبح أكثر تبصرا، وأكثر حكمة، وأكثر اتزانا، وأعمق رؤية في معالجة مشاكله وقضاياه، فلو أن فردا ما، عمره (20) عاما، وآخر عمره (30) عاما، فستجد مجموعة من الفروقات بينهما في كثير من الممارسات في حياتهما اليومية، ولذلك يستشار كبار السن في كثير من المواقف بحكم تجربة حياتهم، حيث يختزلون تضخم تجاربهم في الحياة في معالجة هذا الموقف أو ذاك، وتكون آراؤهم أكثر واقعية، وأكثر هدوءا ممن دونهم عمرا وتجربة، حيث يسود الطرف الأول الشطط، والنزق، والتسرع، وعدم وضع قراءات مسبقة لكثير من الممارسات قبل البدء فيها، وهذا أمر واقع ومعاش.
وبالتالي فمفترقا العمر والخبرة؛ هما من الأهمية بمكان النظر إليهما عند تحليل أو وضع قراءات معينة للسلوك الإنساني لأي فرد، ومعنى هذا لا يجوز- واقعا- معاملة الناس أو تقييم أفعالهم بالمستوى ذاته، وبالحكم المطلق ذاته، دون النظر إلى العمر الزمني المتحقق عند كل فرد، ودون النظر إلى خبرة الحياة عند كل واحد على حدة، وهذه مسألة يفترض أن تكون مقياسا معياريا معتمدا، غير خاضع لأي نقاش سفسطاء عقيم.
من النصوص التي مرت علي؛ والمتداولة عبر صفحة «الواتس أب» النص التالي: «مع تقدم العمر نخسر نسبة من حاسة البصر لصالح قوة البصيرة ومع تقدم العمر تتراجع نسبة قوتنا الجسدية لصالح قدراتنا الفكرية، ومع تقدم العمر يختفي اللون الوردي من وجنتينا لتفوح رائحة الورود من كلماتنا، ومع تقدم العمر يقل تفكيرنا في الدنيا، ويزيد تفكيرنا في الآخرة.
إذن مع تقدم العمر نحن لا نخسر بل نستبدل الخسائر أرباحا»- انتهى النص.
والإشكالية الكبرى في هذه العلاقة هي عندما يخوض أحدنا تجربة الحياة لهذا العمر المتاح له فيها؛ دون أن تؤثر في سلوكياته وكلماته، وآلية تفكيره، وعدم قدرته على التفريق بين حياة فانية، وأخرى قادمة سرمدية؛ عندها- حقا- يعيش خسارة كبرى لن تعوض، وهذا ممن يجب تعزيته في حياته، ومواساته؛ حيث خسر كل شيء بكامل إرادته العقلية والجسدية، فهل هناك من يقبل لأن يكون في هذا الموضع؟