نوافذ.. بيت العزلة وإغلاقُ مكتبة!
نُجابه النهب اليومي في حياة مُتسارعة، ولذا فإنّ أسمى ما يمكن أن نُقدره ككتاب وفنانين هو عزلتنا، وإن كانت مخطوفة، فكما قال ابن الجوزي: "يا هذا إذا رُزقت يقظة فصنها في بيت عزلة، فإن أيدي المعاشرة نهابة".
لقد شغل بالي أمران اثنان في رحلتي الأخيرة إلى محافظة الأحساء بالسعودية، يتعلقان غالبا بمجتمعات القراءة والمكتبات والحاجة إلى العزلة. فبينما أقضي وقتي في "معتزلات الكتابة"، كنتُ أفكرُ في عُمان، في تلك الطبيعة الجغرافية الباذخة، في إمكانية أن تتآزر الثقافة والسياحة لإطلاق مشروع مُشابه.
لطالما فكرت بكُتابٍ يأتون من أنحاء العالم لقضاء خلوة الكتابة في أكواخ فوق جبال شاهقة في محافظة ظفار، أو فوق الجبل الأخضر أو جبل شمس، أو يهبطون جوار السواحل الآسرة، أو تغوص أقدامهم دون مشقة في رمال الشرقية.
يذهبُ خيالي أبعد من ذلك، فترى المشاريع الأدبية التي أنجزت في عُمان النور بالتعاون مع دور نشر عُمانية، ضمن مشروع متكامل يوفر فرص عمل للشباب من جهة، ويمنح الكُتاب الفرص الحقيقية للالتقاء بمشاريع عربية تخوض معهم غمار التجربة.
ففي الوقت الذي ستؤمن فيه عُمان عزلة جيدة للكتاب والفنانين، فإننا سننفض عن المدن والقصص التائهة عزلتها، ستغدو المدن العمانية جزءا لا يتجزأ من هذا المشروع، سيتذوق الكتاب والفنانون طعامها وستُشمُ روائحها ويجري تأمل عمرانها، والدخول في قصصها العجائبية، الدخول في سرديتها الجغرافية والتاريخية.
لفتني أيضا وجود ما يقارب 45 مقهى بالسعودية، تعمل ضمن «مبادرة الشريك الأدبي» التي أطلقتها «هيئة الأدب والنشر والترجمة»، تتنافس لإيجاد حالة حيوية حول مناقشة الكتب والأفكار لتنشيط الحراك الثقافي، وتتمتع بدعم جيد من المؤسسة الرسمية، فكم نحن بحاجة لتفعيل فكرة مشابهة، تحديدا في المناطق الأبعد عن العاصمة.
ونحن نمر جوار المكتبات، كنت أشعر بأسف شديد، لإغلاق مكتبة في عُمان، ورغم أنني لا أعرف سبب إغلاق مكتبة اللوتس على وجه الدقة، فقد دار بذهني أننا كعمانيين لم نترب أصلا على فكرة المكتبات، لم يكن طقسا أصيلا في حياتنا بالمعنى الجمعي، لطالما كان نضالا ودأبا فرديا. هنالك من سينظر إلى العامل الاقتصادي، ورغم -واقعيته- فإننا يمكن أن ندحضه عندما نجد العُماني يجلس في مقهى ويدفع أكثر من ثمن كتاب من أجل رفاهية عابرة!
"العمانيون يُشكلون قوة شرائية"، هذا ما كانت تقوله لنا دور النشر سابقا، بالتأكيد كان هذا حقيقيا عندما كان على أحدنا أن يُؤمن من خلال معرض الكتاب احتياج عام كامل في ظرف اتسم بالنُدرة والتقطير!
ما أود أن أقوله: لقد تأخرنا كثيرا في أن تكون لدينا مكتبات عامة وخاصة. ولعلي لن أنسى الموقف الذي وقع لي في عام 2014، عندما تلقيتُ سؤالا بشأن توزيع روايتي المطبوعة آنذاك، كما تلقاه غيري إثر انتهائنا من محترف للكتابة في البحرين، وقتها أصيب الجميع بصدمة عندما قلتُ: "لا توجد مكتبات لتوزيع روايتي"، وعلق البعض: "في الوقت الذي يغلق العالم فيه مكتباته تفكرون بفتح المكتبات!".
وبغض النظر عن الدوافع والأسباب، هنالك أجيال ستدفع ثمن غياب المكتبات على المدى الطويل، فكما يقول جون. ف. كينيدي: "نحن بحاجة إلى المزيد من الحكماء الذين يقرؤون، المزيد من الكتب الجيدة في المزيد من المكتبات".