نوافذ :بطانة من دونكم

10 فبراير 2023
10 فبراير 2023

shialoom@gmail.com

يحضر مفهوم «اختلط الحابل بالنابل» قويا ومؤثرا في مسألة البطانة، وخاصة الصالحة، يحدث ذلك في عصر تضخمت فيه العلاقات، وتمايزت فيه المفاهيم، وتعقدت فيه الأهداف والمرامي، وتصادمت فيه النيات، وإن كان ذلك مرهونا كلا بظرفه وأسبابه، إلا أن الصورة العامة أصبحت مشوهة إلى حد بعيد، ولكن الأكيد في كل هذه المناخات أن ما يحدث ليس جديدا، وله امتداد اجتماعي غير منقطع، فقط تغيّرت الأدوات، وتغيّرت الظروف قليلا عما كان عليه الحال حتى عهد قريب، وهذه الصورة المتنامية في تعقيداتها تغرق مجموعة القيم التي يأمل من خلالها الناس أن تحافظ على الشيء اليسير مما تبقى؛ دون الحاجة إلى استجلابها بالقوة، أو وقوعها في مصيدة التمثيل المؤقت، الذي يزول بزوال الظرف الذي فيه، والذي تتمثل فيه بعض هذه القيم كحالة المحنة التي تلم بشخص ما، حيث يتهاوى الناس إليه لمواساته في لحظة طراوة الحدث، ثم يفر السامر إلى البعيد.

والبطانة من دون المؤمنين التي أشار إليها القرآن الكريم، وحصرها في الفئة المؤمنة، دون غيرها تواجه مصدات كثيرة، ومعقدة، حتى ليكاد الأمر يصل إلى العدم في بعض جوانبه، ليس لقلة المسلمين على وجه الخصوص؛ ولكن لأن أمر البطانة أصبح مشوشا إلى حد كبير، وقد أغمق هذه التشويش حالات التداخل والتمازج بين شعوب الأرض، وصعوبة الفصل بين الأقوام، في الوقت الذي أصبح فيه الفرد بين خيارين؛ إما الامتزاج التام بين الأقوام وتحمّل كل المؤثرات حسنها وسيئها، صالحها وطالحها، واستجلاب كل قواها المادية والمعنوية لتحييد نفسه عن الوقوع في مأزق الممارسات المحرمة، وإما الخيار الثاني؛ وهو العزلة التامة عن الجميع، وهذا نفسه يعد خروجا عن المألوف، فالنفس البشرية جبلت على الاجتماع، وعلى التقارب الإنساني (... وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا) ومعنى هذا يظل الخيار الأول هو الأقرب إلى الفطرة مع ما فيه من المخاطرات، والمشقات، للحيلولة دون الوقوع في مآزق مختلف هذه العلاقات التي تجمعنا بالآخرين الذين «من دوننا».

في مرحلة عمرية معينة، ربما لا يحفل الكثيرون منا حواشي هذه العلاقات، ومآزقها المختلفة، وينظر إلى مجموعة من التداخلات والتمازجات فيها كأنه نوع من المكاسب المهمة لمسألة التأثير والتأثر، لذلك يتم التجاوز عن كثير من المؤثرات على أنها مكاسب للحياة، وزيادة في خبراتها، مع أن بعض هذه المكاسب سيئة، وقد تؤدي بصاحبها إلى الأسوأ، وهناك من وقع في شرها، وأصبح رهين قيودها، وربما اليوم عندما يتذكر لحظتها الأولى يندب حاله، ويعزي نفسه، ويستحضر «يا ليت.. ويا ليت» حيث لا تنفعه؛ فالتخلص من درائن الأفعال المشينة ليس بالأمر الهين، إلا من رحم الله.

يأتي الدعاء: «اللهم اجعل له البطانة الصالحة التي تعينه على أمر دينه ودنياه» لكل ذي مسؤولية، من باب الخصوص، وليس لعموم السبب، لأهمية أن تكون هناك بطانة صالحة للعون والمساعدة لمجابهة المتنفذين والموغلين في الإساءة إلى الآخر، ولكل ما يحيط بهذا الآخر من مقدرات وطنية واجتماعية، ولذلك فتحقق البطانة الصالحة ليس بالأمر الهين، وتحتاج إلى كثير من المجاهدة، وإن كانت لفترة مؤقتة، فلا بطانة دائمة مهما بذل من جهد في تحييدها، وطلب ود إخلاصها.