نوافذ : المدلول الصادم للكلمات

08 أكتوبر 2021
08 أكتوبر 2021

أحمد بن سالم الفلاحي

shialoom@gmail.com

شدني مقطع مرئي؛ تم تداوله عبر صفحة الـ «واتس أب» بين أسرتين شامية، ومغربية، تبادلتا فيه الحوار عبر مفردات كل منهما، وكادتا أن تصلا إلى مستوى الصدام - ولعله مقطع تمثيلي - ولكنه ينبئ عن مفارقات موضوعية، ونوعية في استخدام الكلمات عند كلا الشعبين، وهي الكلمات التي تحمل معاني ودلالات مختلفة جدا، إلى حد الضحك، أو الأسى في بعض المواقف، وهذا في حد ذاته يحسب للغة العربية الخصبة بمفرداتها، ومعانيها الكثيرة، والعميقة في آن واحد، وقدرتها على اتساع وعائها اللغوي، وحمولتها الخصبة من المعاني والمفردات، والدلالات اللغوية، مع التأكيد أن الكثير من مفردات اللهجات المحلية في أي مجتمع عربي؛ هي امتداد للغة الفصحي «الأم» وإن صعبت على الأفراد الذين هم من مجتمعات عربية أخرى في الوطن الآخر، والمدقق في المفردات يجد تحويرات بسيطة جدا للمفردة، متى انتبه لها أحدنا لن يجد فيها معاني بعيدة جدا عما هو مستخدم في بلده الأم، وبذلك تتكامل الثقافة اللغوية بمعانيها المختلفة، ودلالاتها الموضوعية بين جميع أقطار الوطن العربي.

بمعنى آخر عندما تجد أن المفردة التي تم مخاطبتك بها في بلد ما على أنها مفردة صادمة، أو لا تتفق مع ما معناه المستخدم في بلدك، فلا تستنفر قواك المادية والمعنوية للمواجهة، فالأمر بسيط جدا، فقط خذ نفسا عميقا، واستعن بأي قاموس للغة العربية، وستجد المفردة أنها ليست غريبة عن لهجتك المحلية في بلدك، ومعناها متطابق كذلك في الاستخدام، تبقى المشكلة في من يبالغ في تحوير الكلمة بغية جذب انتباه المخاطب، كما يحدث كثيرا لدى المذيعين، والممثلين، وهو تحوير يخل كثيرا بالمعاني، ويحول المفردة؛ كحال الغراب الذي قلد؛ ففقد هويته، بينما جل الكلمات المستخدمة في اللهجات المحلية في كل بلد هي مفردات من اللغة العربية الفصحى، وليست هناك ثمة ضرورة؛ إطلاقا؛ لأن أبحث عن مفردة «ملتوية» في لهجات لا تقترب كثيرا من المجتمع الذي أعيش فيه، حتى لا أقع في مصيدة الغراب الذي أصبح يقفز في مشيته؛ دون ثمة ضرورة، فالأرض مستوية تماما، وكان بإمكانه أن يمشي بطريقة معتدلة كباقي الطير.

نستخدم محليا؛ كلمات مثل: «جرع» و «لهط» و «زلف» و «طفر» و «طغوة» أو «طاغي» و «فضالة» و «فلغه» وهي مفردات تتبعت معانيها في بعض المعاجم، وكلها موجودة؛ ولكن بمعاني؛ بعضها؛ غير المعاني المستخدمة في لهجاتنا الدارجة، فكلمة «جرع» على سبيل المثال؛ تستخدم محليا وفيها نبرة خشونة، فالأم مثلا؛ قد تقول لابنها بغضب: «جرع إذا ما شبعت بعدك» بينما المعنى الذي يشير إليه القاموس، ليس للأكل، وإنما للشرب «تجرع الماء» وكأنه يشرب الماء بصعوبة، وكلمة «لهط» أيضا تستخدم محليا للأكل ولكن لـ «معيبة» وعدم الرضا، فيقال لك: «فلان لهط كل ما في الصحن» بينما في المعجم، فكلمة «لهط» معناها الضرب، لهطه على ظهره؛ أي ضربه على ظهره، وكذلك كلمة «طفر» فيها أيضا عدم ارتياح: «فلان طفر» كأنه غير مأسوف على رحيله، بينما في القاموس، فالطفرة؛ معناه الزيادة والنمو «طفرة في التنمية» مثلا، وقس على ذلك أمثلة كثيرة على بقية الكلمات التي يخرجها السياق المحلي عن معناها الصحيح.