نوافذ: المتبسطون
Twitter:@ashouily -
قبل فترة بسيطة شاهدت فيلما وثائقيا عن ما يمكن ترجمته بمصطلح المتخففون أو المتبسطون أو الزهاد Minimalism وتعني هذه الكلمة وهذا المصطلح المقلون من متع الحياة الدنيا والمكتفون بالأشياء الضرورية في الحياة من دون الاسراف والتبذير باقتناء الزائد عن الحاجة.
فكرة الفيلم تمحور حول صديقين حققا أغلب أحلامهما من البيوت الواسعة والسيارات الفخمة لكنهما اكتشفا فجأة أنهما غير سعداء، وأنهما لا يحتاجان إلى كل ما يمتلكانه فيقرران التخلص من الكثير من ممتلكاتهما ويعيشان حياة البساطة المكتفية بالقليل من المتاع.
بعيدا عن الفيلم وقريبا من الواقع فنحن كبشر بطبيعتنا نميل إلى النمط الاستهلاكي في تكديس الأشياء وشراء ما لا يلزم إما انبهار بما تطرحه المصانع والشركات والمعامل من جديد في كل وقت وحين أو إرضاء لرغبات ونزوات داخلية نسكتها بالشراء والتسوق من دون التفكير في الحاجة الى ما نشتريه ولا كيفية استخدامه وأما تقليد وتشبه بما لدى الآخرين من متاع فنلجأ إلى الشراء لمجاراة أولئك الآخرين وللتشبه بهم وبما يقتنون، وكل ذلك مرده كما ذكرت بعض الدراسات النفسية لكي " نشعر بالسعادة".
الشعور بالسعادة كما وصفها المتبسطون الزهاد ليست في تكديس الأشياء بقدر ما هي في خوض تجارب جديدة في الحياة كتجارب السفر والترحال وتعلم مهارات وحرف وأساليب جديدة في الحياة فهي ما يعطي للحياة سعادة أكثر ويبقى أثرها أطول على عكس اللجوء إلى الشراء وتكديس الحاجات غير الضرورية في الحياة التي لا تطول فترة سعادتها طويلا.
امتد مفهوم التبسيط أو التخفف من الأشياء في الحياة الى أفكار أخرى منها فكرة تكدس الأصدقاء والمعارف في حياتنا، فيقول المتبسطون بأننا لسنا بحاجة إلى معرفة الكثير ممن حولنا ولا أن نرتبط بكثير من الصداقات حول العالم ولا الى معرفة كل من نقابلهم في الحياة أو نرتبط بهم في العمل أو نقابلهم صدفة في سفر أو حضر وإنما نكتفي بالقليل من الأصدقاء ممن يمكن الاعتماد عليهم والوثوق بهم مع اصطفاء القليل منهم وائتمانهم على كثير من الأسرار فهذا قد يكون أجدى وأنفع من الكثرة الزائدة في معرفة الكثير من الناس من دون نفع أو طائل.
الفكرة الأخرى التي امتدت اليها يد التبسيط هي في العوالم الافتراضية والسيبرانية حيث تكونت فئة من الزهاد ممن يرون أن حياتنا الحديثة باتت مليئة بالضوضاء والتشتت جراء التعرض للتقنيات الحديثة والتطبيقات والمواقع الالكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من العوالم الافتراضية التي صارت مشتتة أكثر من كونها مفيدة وتعود بالنفع على صاحبها. يقول المتبسطون في هذا الاتجاه إن التخلص من مسببات التشتت يمكن أن يكون بالابتعاد عنها فهذا يجلب الكثير من السعادة بدلا من متابعة كل شيء على وسائل التواصل التي يختلط فيها الغث بالسمين والأجدى من ذلك استثمار الوقت فيما فيه منفعة من تعلم مهارات أو اكتساب معارف أخرى.
مفهوم (المينماليزم) أو التبسيط وإن كان قديما في الطرح الإنساني إلا أنه لم يظهر بمفهومه الحديث إلا من خلال التبسيط في مفهوم الفنون والآداب والعمارة خلال ستينات القرن المنصرم واستخدم للتعبير عن التبسيط في استهلاك الأشياء ليمتد بعدها ليشمل الكثير من نواحي الحياة المختلفة ابتداء من النمط الاستهلاكي في الحياة اليومية وتكديس الأشياء غير الضرورية التي لا حاجة إليها مرورا بالتخفيف والتقليل من كل شيء في الحياة والعودة الى البساطة والزهد والتقشف في المسكن والمأكل والمشرب وهذا ما يحاول أنصار هذه الطائفة إثباته.
قد لا نحتاج إلى أن ننتمي إلى هذه الطائفة لكي نزهد في الكثير من الأشياء اللامعة والبراقة في الحياة، ولا نحتاج إلى أدلة استرشادية لتقودنا إلى فهم أن الكثرة في كل شيء في الحياة شيء محمود، لكننا بحاجة الى فهم أن التوسط والاعتدال في كل شيء في الحياة هو السبيل الأمثل لعيش حياة سعيدة هانئة مطمئنة بعيدة عن التطرف والزهد والإسراف فهذا نهج حياة يجب أن نحياه.