نوافذ : العائلة.. ليست كرقعة الشطرنج

30 سبتمبر 2022
30 سبتمبر 2022

shialoom@gmail.com

"في العائلة يختفي العقل خلف الشعور والعاطفة" حسب تعبير؛ جون إهر نبرغ؛ كما جاء في كتابه، المجتمع المدني – التاريخ النقدي للفكرة – (مترجم) فلو قيست العلاقة بالعائلة وفق موازين العقل؛ كما هو البعد التنافسي في رقعة الشطرنج، لما عمرت هذه العلاقة إلى حد فناء آخر فرد في العائلة؛ مع أنه لن يكون هناك فناء مطلق، ولعل في ذلك من الحكمة، واللطف، والرحمة من لدن رب العزة والجلال، بأن تبقى العائلة الحاضنة المثلى لمن أتعبته مشاق الحياة وتنافسات أفرادها.

يحدث هذا؛ لأن هذه العلاقة قائمة على الود أكثر، وعلى التضحية أكثر، وعلى التفاني أكثر، وعلى تحييد المصالح الذاتية أكثر، وعلى تحمل المنغصات أكثر، وعلى غض الطرف أكثر، وعلى تجاوز الزلات أكثر، وعلى عدم النظر إليها من منظور الربح والخسارة أكثر، حتى ولو وصل الأمر إلى "وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على النفس؛ من وقع الحسام المهند" لأن هناك "نور في آخر النفق" بخلاف ما يحدث عبر رقعة الشطرنح التي يتقاتل فيها اللاعبون بالفوز، وبهزيمة الآخر، وبكسب سباق التفوق، والقضاء على الخصم، إلى حد الموت (كش موت، أو كش ملك).

يحدث هذا؛ لأن هناك تسلسل غير منقطع في العلاقة مبدأه مُعَمِّرٌ منذ آلاف السنين مع ميلاد أول جد لهذا العائلة أو تلك، وليس له منتهى بيولوجي فالسلسة مستمرة في التوالد جيل بعد جيل، وفوق ذلك أن هذه السلسلة تتضخم بتفرعاتها المتشابكة، وإن اختلفت، وتوزعت بين بطون وقبائل، وأعراق، وألوان، وديانات، ومذاهب، ومستويات اجتماعية ومهنية لا أول لها ولا آخر، وفناؤها مع فناء البشرية ككل.

يحدث هذا؛ لأنه لا يوجد في قانون العائلة ما يسمى بـ "كش ميت؛ أو كش ملك" حيث تنتهي اللعبة، كما هو الحال في رقعة الشطرنح، كما أنه لا يوجد لاعبين اثنين فقط في تفعيل مجمل العلاقات القائمة على مستوى العائلة الواحد أو مجموعات العوائل، فمتى تأسست العائلة تظل على استمرارها، ونموها، بل وتضخمها، كما هو الحال في مفهوم كرة الثلج، وما يحدث ما بين ثنايا هذا الجسم المتضخم من تفاعلات؛ فذلك أمر آخر، لن يؤول بالعائلة إلى الفناء إطلاقا.

يحدث هذا؛ لأنه لن تحدها حدود الجغرافيا لا السياسية، ولا الاجتماعية، ولا الاقتصادية، بل توظف كل هذه الجغرافيات لصالح بقائها، وعمرانها، وزيادة تضخمها، ولذلك لا تستغرب إن جمعتك الصدفة في يوم من الأيام وأنت خارج بلدك الأم بشخص أو عائلة مماثلة، وعرفت من خلال تسلسلها أنها فرع من عائلتك في وطنك الأم، لأنه لا توجد حدود لتساع تفرعات العائلة، وقبل ذلك فنحن نقرأ عندما نسافر إلى بلدان بعيدة مسميات قبائل موجودة في بلدنا، ومسميات "بيوت" و "بطون" تشترك مع المسميات ذاتها عندنا.

يحدث هذا؛ لأن في العائلة تسلسل هرمي، لا يمكن تجاوزه، فهناك الجد، وهناك الأب، وهناك الأخ/ الأخت الأكبر، وهناك شيخ القبيلة كعائلة القرية الكبيرة، وهذا التسلسل ليس من اليسير إلغاؤه في فترة ما، واعتماده في فترة أخرى، فهو نسيج اجتماعي بالغ الدلالة "الأبوية" من ناحية، وبالغ الدلالة "الاجتماعية" من ناحية ثانية، وعلى أساس هذا التسلسل الهرمي يمكن القياس على ترابط العائلة، وقوتها، وتآزر أفرادها إلى حد التماهي في عائلة واحدة في قوة تأثير الفعل، وقوة تأثير القول، وقوة تأثير السيطرة، ولذلك فللعائلة بقاء الاستمرار والتجدد.