نوافذ: الرعب الذي تختزنه الدُمى!
دأبت على إحاطة نفسي بالدمى التي صنعتها في طفولتي برفقة بنات الجيران من بقايا الثياب التي يضعها خياط الحارة في كرتونة لصيقة بماكينة خياطته، إلا أنّ الفكرة المرعبة التي كان يرددها البعض حول أنّ: «أصحاب الصور يعذبون يوم القيامة، ويطلب منهم إحياء ما خلقوا»، ظلت تعذبني لسنوات طويلة من عمري، رغم أنّ الدمى كانت تمنحنا شعورا أوليا بمخزون الأمومة في دواخلنا!
تجددت هذه المخاوف عندما صدرت عدّة أجزاء من أفلام الرعب التي قدّمت فكرة الدمية المسكونة باللعنات أو الأرواح الشريرة من مثل فيلم: «أنابيل» وفيلم الدمية القاتلة «تشاكي».
شاهدت مؤخرا فيلم M3GAN للمؤلفة أكيلا كوبر وللمخرج جيرارد جونستون 2023، وهو فيلم يكشف عن لعنة فارقة، لعنة ثورة الذكاء الاصطناعي، الذي يطور الدمية إلى درجة تدفعها لأن تحيد عن الأسباب التي صنعت من أجلها!
«ميجان» هي دمية بطول متر وربع، تباع بما يقرب من عشرة آلاف دولار، مصممة للاهتمام بالأطفال، مصنوعة من التيتانيوم، وتتمتع ببراءة ملحوظة في ملامحها، لكنها بعقل شيطان يستحوذ على المعلومات ويحللها بصورة نهمة!
عالمة الروبوتات «جيما» تصبح -ضمن مفاجأة قدرية- وصية على ابنة أختها «كادي» بعد وفاة والديها في حادث اصطدام، ولأنّ «جيما» لم تجرب يوما الاعتناء بطفلة، فقد كان الأمر كابوسيا، ومن هنا طرأت الفكرة: ماذا لو تعلقت الطفلة بدمية! تمنحها العاطفة والمعلومات وتقوّم من سلوكياتها كما لو كانت بصحبة والديها تماما!
عندما يخسر الطفل والديه فإنّ أول ما يبحث عنه هو البديل الذي سيمنحه الحبّ والرعاية، ولذا تمتعت «ميجان» بأفضل الصفات التي تجعلها بمثابة أفضل صديقة، حيث تستشعر أفعال الطفلة وتقرر كيف ستكون ردات فعلها مع الموقف من خلال ما تختزنه من إمكانيات صاعقة على التحليل.
لم يكن هنالك من يتحدث مع «كادي» المسكينة عن خسارتها لوالديها، كلّ ما حصل أنّه تمت تعبئة الفراغ الذي تشعر به، كما يحدث مع الكثير من المشاكل التي تعبر أبناءنا الآن ونميل إلى تخديرها لأننا لا نصغي كثيرا، فنعوض غيابنا بأجهزة صماء!
في البداية تبدو الدمية مسلية ومبهجة، تغرف من نهر المعلومات اللانهائية التي زودت بها، بل تقدم النصح بالطريقة التي تحبذها الطفلة فهي مصممة لإسعادها. تستقرئ المحيط الذي يغلف حياتها بحساسية عالية لدرجة أنّها قد تقدم على «القتل» لكي تتمكن من حماية الطفلة، فهي تقيم مخاوف الطفلة بطريقة لا إنسانية!
هكذا تتوحش الآلة فتنتفض برغبات انتقامية وفي ظنها أنّها تدافع عن الطفلة! تطور من نفسها لدرجة أنّها تعمل وهي مفصولة عن الشاحن. ! أكثر ما أثار إعجابي أنّ الفيلم لا يدين الآلة، ولكنه يدين تلك الرغبة التي تستحوذ على الأهالي المتعجلين والمشغولين في حياتهم المادية المتسارعة، الذين يبحثون عمن يسد أوقات غيابهم. ليس علينا أن نتفاجأ، فنحن نشاهد الآن بأمّ أعيننا برود عاطفة بعض الأهالي عندما يتركون أبناءهم لساعات كثيرة منشغلين بالأجهزة دون إيجاد بدائل أخرى تحرك حواسهم ومشاعرهم ومخيلاتهم، ودون أي شعور بعذاب الضمير!
عندما سئلت الطفلة عمّا يجعلها تتعلق بـ«ميجان» قالت: «رغم أنّها تعلم كلّ شيء في العالم إلا أنّها تستمر في الاهتمام بي، تجعلني أضحك وأفكر بجنون، وعندما أنظر في عينيها أبدو وكأنّي أكثر شيء يهمها»، وهذا بالضبط الشعور الذي ينتظره الأبناء من الآباء والأمهات!
يصنف الفيلم على أنّه فيلم رعب إلا أنّ الرعب مختزن في أعماق الفكرة أكثر منه في جعل المشاهد يحبس أنفاسه، فعندما تتحول «ميجان» من صديقة محبة ومعلمة ذكية إلى مراقبة تحلل مشاعر الناس المجاورين للطفلة بصورة آثمة، فإننا نرتعب من مخاوفنا الدفينة!
قد يختلف الناس بشأن، إلى أين ستأخذنا الثورة الصناعية؟ ماذا سنكسب؟ وماذا سنخسر؟ هذا الفيلم يكثف إحساسنا بالمخاوف من الانحرافات المرعبة التي يمكن أن ينتهجها الذكاء الاصطناعي، وكيف يمكن أن ينقلب السحر على الساحر؟!
هدى حمد كاتبة عمانية ومديرة تحرير مجلة نزوى