نوافذ .. الباحثون عن المتاعب

04 يناير 2022
04 يناير 2022

مهنتنا أي مهنة الصحافة غير محبوبة على المطلق من قبل كثير من أطياف المجتمع، فهي أول من يجلب الأخبار السيئة ويعلن عنها وينشرها على الملأ، وهي من يفتش عن الأخطاء في الجهات المختلفة ويحقق فيها ويثير الكثير من الأسئلة والاستفسارات وكما يقال فالصحفي يدس أنفه في كل صغيرة وكبيرة بحثا عن المعلومة والحقيقة وتفنيد الصحيح من السقيم من الاخبار. وعلى الجانب الآخر هي مهنة تثير الكثير من المشاكل للمؤسسة التي ينتمي اليها الصحفي من جهة وتثير أيضا الكثير من التساؤلات حول الصحفي ذاته في مصداقيته وولائه وإخلاصه وغيرها من الأسئلة التي لا تنتهي ولا يمكن العثور على إجابات صحيحة لها.

هي مهنة يقع ممتهنها بين مطرقة القارىء الباحث عن كل الأخبار والمعلومات والتحقيقات والأخبار الصحيحة وبين سندان المتاعب التي تثيرها هذه المهنة بدءا من توجهات وسياسات المؤسسة الصحفية التي ينتمي اليها وبين القيم والأخلاقيات والأعراف الصحفية التي يتبناها ويرفع شعارها الصحفي في كل خبر يكتبه أو تحقيق يبحث فيه عن إجابات أو استطلاع يبحر فيه نحو شمولية الفكرة والموضوع.

العمل في هذه المهنة شاق جدا من النواحي البدنية والنفسية ولعل الجانب البدني يكون أخف وطئا من الجانب النفسي وإن كان يستنزف طاقات الصحفي في يومه كاملا في البحث والكتابة والسؤال وتقصي الحقائق والتواصل مع ذوي الشأن والمراجعة والتدقيق والسؤال مرة أخرى وإعادة الكتابة لمرة ثانية وثالثة وانتظار النشر وتلقي ردود الفعل، غير أن وطأة الضغوط النفسية التي يتعرض لها من اختار هذه المهنة سبيلا له هي أشد خطورة وأكثر إيلاما من الضغوط البدنية فكثير من الدراسات والبحوث أشارت الى أن الصحفيين هم من أكثر الفئات عرضة للأمراض النفسية المتمثلة في الضغوط النفسية والاكتئاب والقلق والعزلة والشعور بالإحباط والشعور بالاحتراق الوظيفي وهم أكثر الناس عرضة للمخاطر الصحية والبدنية فكما أشار تقرير للجنة حماية الصحفيين ان عدد 24 صحفيا قتل خلال العام الماضي وسجن أكثر من 293 صحفيا في كل دول العالم أثناء تأديه عملهم، يشير الى أن هذه المهنة كما قيل عنها منذ أمد طويل بأنها " مهنة البحث عن المتاعب".

في سبيل كتابة هذا المقال قرأت الكثير من الكتابات والمقالات والدراسات واستعنت بخبرات بعض الأصدقاء وسألت بعض المختصين من الأكاديميين والباحثين فضلا عن تجربتي الشخصية في هذه المهنة عن الصعوبات والمشاكل النفسية التي يواجهها الصحفي في يومه وما ينتج عن هذه الظواهر من مشكلات تنعكس على المهنة وممتهنها فوجدت أن أبرز ما شخصه علماء النفس والاجتماع من ظواهر تتمثل في الاحتراق الوظيفي وهي متلازمة تنتج عن الإجهاد المزمن في مكان العمل وما يصاحب هذا الإجهاد من مشكلات تؤدي الى الإرهاق البدني والنفسي وتراجع الإنتاجية وفقدان الهوية الشخصية إضافة الى ارتفاع نسب التوتر والقلق في العمل. كما يتعرض الصحفيون ما يسمى بإرهاق التعاطف وهو كما عرفته بعض المراجع بأنه حالة من التعب التراكمي النفسي والجسدي ينتج من الإشفاق على حالات إنسانية يتعاطف الصحفي معها ما قد يسفر عن أعراض مثل البرود واللامبالاة والغضب.

لا أريد هنا أن أزيد المشهد قتامة لكن الأوضاع المعيشية والاقتصادية والوظيفية خلال أزمة كورونا زادت الطين بلة وعمقت مشهد الأزمة الصحفية وزادت من صعوبته خصوصا عقب تزايد حالات فصل الصحفيين من وظائف والاستغناء عن خدماتهم الأمر الذي فاقم من الأزمات النفسية التي يمر بها الصحفي وزادت من أعبائه عبئا آخر، كما أن سياسة العمل عن بعد التي انتهجتها كثير من الاعمال وانتقال الصحفي من العمل الميداني الى العمل من المنزل فاقم أيضا من مشكلاته وإن كان البعض يعتبرها بمثابة هبة وميزة حين تحولت غرفة المعيشة الى غرفة للأخبار اشترك في تحريرها كل أفراد الاسرة.

البحث عن المتاعب يتخذ أشكالا كثيرة وألوانا عديدة أغلبها مرهق متعب ومضن لكن القليل منها ما تجد لذته وحلاوته عند قطافه، فالصحفي ينسى متاعبه ومشاكله حين يسمع إطراء على ما كتب او رد فعل إيجابي عما نشر أو انتباه وإشارة الى ما دونه أو تعديل وتصويب على ما لاحظه وهذا برأيي هو العزاء الوحيد والسلوى التي يلوذ بها الصحفي للتسلية عن ما يصادفه في يومه من متاعب.