نوافذ :الاتفاقية الضمنية ..
أحمد بن سالم الفلاحي
shialoom@gmail.com
يحل مفهوم «الاتفاقية الضمنية» كأحد اللوازم الفعلية للذات، فالذات هي التي تقر هذه الاتفاقية، أو تبطلها بناء على مستوى عالٍ من القناعة، وذلك لأن هذه الاتفاقية تتصادم مع المصلحة الفردية، وتعيش معها صراعات قوية لا تحسمها إلا قدرة الفرد على تجاوز مظانه الخاصة للصالح العام، وهذه قمة التضحية التي لا يصل إليها إلا القليل من الناس، لذلك ينظر إلى فعل التضامن على أنه أحد الأسس في ترسيخ القناعات الذاتية عند الشخص التي تظهرها الممارسة على الواقع، ومتى علا هذا التضامن عند الفرد كان ذلك تنسيبا مهما بأن هذا الفرد على قدر كبير من التضحية، والتعاون، والحياد.
يبدو في علم اليقين أن علاقة الفرد بوطنه علاقة وجودية؛ كما هو معروف بالضرورة؛ ولأنها علاقة بهذا المستوى والأهمية، ومن الضرورة، ومن الحتمية التي لا تقبل النقاش، ولا المساومة، ولا التجزئة، ولا أي تقييم نسبي قد يضعه فلان من الناس، فإنها لن تتحقق بهذه الصورة؛ أو الكيفية إلا إذا اختمرت في النفس؛ كما هو الإيمان «ما وقر في القلب وصدقه العمل» واختمارها في النفس، يعني نزولها منزلة «الاتفاقية الضمنية» وهي بذلك لا تحتاج إلى نصوص مكتوبة؛ تستلزم مراجعتها، بل تتحول إلى ممارسة فطرية بلا تكلف، وبلا شهود عيان، تقرها النفس البشرية كجزء لا يتجزأ من بنيان فطرتها النقية، وهل يصل أحدنا إلى هذا المستوى من الصدق، والصفاء، والإيمان في هذه العلاقة؟
يصعب الجزم المطلق؛ لأن الإنسان بقدر ما هو مفطور على الأمانة الخلقية، هو في الوقت ذاته يعيش نزاعا بين فطرته وسلوكه، بين نوازعه الطبيعية، واحتياجاته النفسية، ولكن المهم: هل يعذر إن لم يمتثل لأي مستوى في هذه العلاقة؟ طبعا؛ لا يعذر إطلاقا، ولا أتصور أن هناك فردا سويا يتنصل من هذه العلاقة، وهل هناك استحقاقات لهذه العلاقة؟ أقول: نعم؛ وهي كثيرة، وملزمة في كل مستويات العلاقة القائمة بين الفرد والوطن الذي ينتمي إليه، ولا يتنصل عنها إلا من يعاني من انفصام في الشخصية.
ينظر إلى «الاتفاقية الضمنية» التي تمثلها مجموعة من الممارسات التي يقوم بها الفرد على أنها ملزمة؛ ولا يعذر منها أحد؛ وتأتي المحافظة عليها في حكم الواجب، صحيح أن هناك مجموعة من الإجراءات والتنظيمات الملزمة التي تحدد علاقة الفرد بوطنه، سواء تلك الموجودة داخل المؤسسة، وتمارس بتنظيم معين، ويقابل أداها أجر يدفع للعامل، ولكن هناك ممارسات أخرى لا تخضع لهذا التنظيم المؤسسي، ولا يستلم منجزها أي أجر، ومع ذلك مطالب كل فرد أن يكون الحارس الأمين؛ سواء في الأداء، أو في المحافظة على ما تم إنجازه، فليس مهام الوطن كلها خاضعة لـ «عمل يقابله أجر» وإلا لما تقدمت الأوطان، وتنافست بجهد أبنائها لتحقيق المزيد.
يشار هنا أكثر إلى الأعمال التطوعية، والتي لا يرجى منها أجر مقبوض، بقدر ما يرتجى منها تحقيق منجز ما يدخل في مشروع الوطن الكبير، دون أن يحفز صاحبه مقابل، يدرك أنه سيقبضه بعد حين من خزينة الوطن، ومتى حضر هذا الهاجس في نفس صاحبه، اختلفت الفكرة نهائيا، ولم تدخل في مضمون «الاتفاقية الضمنية».