نحو حياة أقل استهلاكا
مما لا شك فيه أن شبكات التواصل الاجتماعي أسهمت كثيرا في النزعة الاستهلاكية هذه الفترة، فمنذ عقود مضت كانت البيوت مغلقة إلا على أصحابها والمقربين منهم، والذين غالبا ما يكونون في الوضع المادي ذاته، لكن اليوم أصبحنا ندخل بيوت الآخرين ليس من الأقرباء فقط بل من شتى بقاع العالم، فرأينا أنماطا من المعيشة، ومستويات متعددة من الرفاهية لم نكن نعلم بوجودها، فقد كنا نظن أن هذا المستوى المعيشي إنما هو حكر على الأفلام والمسلسلات، لكن شبكات التواصل الاجتماعي قرّبت لنا الصورة، رغم أن كثيرا مما نشاهده إنما هو من باب الدعاية والاستعراض لكنه يؤثر فينا، شئنا أم أبينا، وأصبحنا نطالب بما نراه من خلالها.
لذا فإن فكرة الحد من استهلاكنا لهذه الشبكات من شأنها الحد من نزعة الاستهلاك لدينا، خاصة ونحن على مشارف الشهر الفضيل، كما أن مقارنة حياتنا بالآخرين من شأنه أن يشعرنا بالإحباط وقلة الحيلة والفشل، وبالتالي البعد عنها سيجعلنا أقل عرضة للتأثر بالآخرين ماديا، وسنكون أكثر رضا بما لدينا ولن نشعر بالحاجة إلى مواكبة الجيران، ويجعلنا هذا نركز على الخبرات الحياتية والتجارب أكثر من الماديات، كما أن إحدى الوسائل التي أتحدث عنها كثيرا وكثيرا أيضا ما كتبت عنها في هذه الصفحة هي الامتنان الذي يمكن أن يساعدك على التحرر من قيود المادية، ذلك أنك ستبدأ في تقدير الأشياء التي تمتلكها أكثر، مما سيقلل عندك الشعور بالحاجة إلى شراء أشياء جديدة باستمرار.
فيوميات الامتنان تذكرك بالأشياء الرائعة التي تمتلكها بالفعل، أمر آخر يمكن أن يكون له تأثير كبير هو أن تبدأ في التقليل من تركيزك على ذاتك، ونقل تركيزك على مساعدة الآخرين فمن شأن ذلك التقليل من القلق بشأن نوع السيارة التي تقودها أو ماركة الملابس التي ترتديها.
إن التوقف عن الجري خلف الماديات، سيتيح لك أن تعيش حياة ثرية بالتجارب مع من يهمك أمرهم، عوضا عن إنفاق أموالك للاستعراض أمام من لا يهمك أمرهم، فضلًا عن تقليل مستويات القلق عندما لا تبني قيمتك الذاتية على الأشياء التي تمتلكها، وهذا لا يعني أن الرغبة في امتلاك الأشياء المادية الجميلة سلبيا بقدر ما تكون المبالغة في الاستهلاك هي التي يفضل الابتعاد عنها، توفيرا للمال والوقت والجهد الذي تكلفه حياة الاستهلاك المفرط هذه.
حمدة الشامسية كاتبة عُمانية في القضايا الاجتماعية