منغصات أكثر إيلامًا
تتعدد منغصات الحياة وتأخذ من الألوان والنماذج والصنوف ما لا حصر له وهي قد تبدو للبعض أنها "عادية" لا يجب أن تؤثر على مسار معيشة الإنسان تأثيراً مباشراً وحقيقيًا لكنها عند آخرين بالغة التأثير وقادرة على إحداث هُوات وفجوات عميقة لا يمكن للزمن ردمها "فهمُ كل إنسان من وجهة نظره لا يشبه همَ إنسان آخر وابتلاؤه لا يعدلُ ابتلاء أي مخلوق".
ورغم يقيننا بأن هناك من الأوجاع والمتاعب ما هي أقل وطأة من غيرها ومن المنغصات ماهي أشد إيلامًا إلا أننا نتفق في النهاية أنها جميعاً "مُكدرات" وبنفس الدرجة من القوة وأنها تسلب الإنسان راحته وتُدخلهُ في حالة من الاضطراب والقلق وعدم الاستقرار الذهني والجسدي ولو بدرجات متفاوتة فمعاناة من يشكو مرضاً عضالاً هي نفسها معاناة الذي يعاني من صداع دائم أو مرض مزمن مستمر وغير مؤكد الشفاء فكلاهما يتألم وكلاهما متمسك بالحياة ويهاب الموت.
لا خلاف بأنه لا يوجد تعريف مُتفق عليه ودقيق لمصطلح المعاناة كون هذا الفعل نسبي فما تراه أنت ليس مدعاة للذعر والتوجس يعده آخر أنه العائق الأوحد الذي يعترض مسار سعادته وما ترى أنت فيه باباً يجلب كل مصائب الدنيا ينظر إليه ثانٍ بأنه متنفس للخروج من مضايقات وكآبات كثيرة ولا يجب سده أو إغلاقه.
في أحد البرامج الجماهيرية بإذاعة دولية شهيرة جاء صوت المرأة مهزوماً ويائساً تحدثت فيه عن موضوع قد لا يعني للكثيرين شيئاً.. تحدثت عن ما أسمته بـ"التهميش الممنهج" من قِبل زوجها وكيف تمّكن من تحويلها إلى امرأة ميتة / حية مفتقدة لطعم الحياة منزوعة المشاعر لا تملك خيطاً واحداً يمكنها من خلاله مناقشة زوجها حول معضلتها التي لا تجد لها تعريفاً ولا تفهم دوافعها.
"لم أتعرض للضرب ولا للسب ولا للتهديد ولم يحرمني من أي حق من حقوقي" قالت المرأة: "لكنني أصبحت لا أعرفه .. كأنه يتعمد اعتباري غير موجودة في حياته وأنا هنا أعني حياته وليس حياتنا كزوجين تجمعنا أمور مشتركة".
"قد لا تُشكل هذه القضية التي أجهدتني كثيراً وما زالت لكثير من النساء أي معنى ولا يعتبِرنها تهديدًا لكيان الأسرة كون التعامل لم يصل حد الضرب وتوجيه الإهانات والتحقير لكنها بالنسبة لي أكثر من ذلك بكثير .. إنها بكل بساطة تعذيب نفسي حاولت بكل ما أُوتيتُ من قوة ومهارة تفسيره وتبريره لكنني لم أنجح في ذلك حتى الآن".
هذه المرأة ربما تكون قد وضعت اليد على الجرح فالمعاناة بصفة عامة لا يُشترط أن تكون مدفوعة بأسباب مألوفة يعلمها الجميع ومنها المادية أوالاختلافات الطبيعية التي يسهل التفاهم حولها لكنها قد تكون نتاجاً لإشكالات نفسية عميقة غامضة المسببات ليست مُتاحة للنقاش وهنا تكمن المشكلة لأنها تصبح مع الوقت عصية على الحلول.
تصبح كذلك لأن على الطرف الذي يشعر بالضرر تقديم الكثير من التضحيات تبدأ بفقدان الثقة بالنفس ومتع الحياة وتنتهي باضطراب أواضمحلال الحياة الزوجية وتشتت الأطفال في حال وجودهم والدخول في صراعات نفسية واجتماعية لا نهاية لها.
وبالرغم من أنه لا توجد مشكلة ليس لها مخارج أو حلول ممكنة إلا أن البعض ممن يمارسون هذا النوع من "الإساءات الصامتة" ويتسببون في معاناة الآخر بوعي أو بدون وعي لا يحاولون جادين البحث عن هذه الحلول ربما لرفضهم مواجهة الشريك وطروحاته التي قد تكون صادمة أولكونهم لا يؤمنون بوجود أي مشكلة يمكن بحثها من الأساس رغم أنها تُحيل كل يوم حياة إلى جحيم لا ينتهي.
"الناس أحوال" كما يقول المثل الشعبي وفي الحياة بشر يتألمون بصمت لأسباب قد يدركونها وقد لا يدركونها وهناك من يقوم ببث صنوف من الفوضى في مفاصل حيوات الآخرين ويزعزع داخلهم وإيمانهم بذواتهم وإمكاناتهم عامداً متعمداً.