مكبوس موسكو

08 سبتمبر 2024
08 سبتمبر 2024

في اليوم الأخير لها من رحلة موسكو أصرت على المرشد السياحي أن يأخذها إلى مطعم يقدم (عيش)، فأخذها إلى مطعم عربي في قلب الساحة الحمراء، أكلت فيه (المكبوس) الذي اشتهت، والذي دفعت فيه أضعاف ما كانت ستدفعه في أفخم مطاعم مسقط، كانت رفيقتها التي نقلت لي القصة مصدومة من الفاتورة التي اضطرت إلى مقاسمتها إياها لصحن عيش.

لكنني لم أستغرب أن تدفع أي مبلغ مقابل تناول صحن عيش بعد أيام طويلة قضتها بعيدًا عن أسرتها، ذلك أنها طوال الأيام التي سبقت حدث البرياني كانت تتحدث كثيرًا عن أسرتها، وعن عمان، وعن بيتها، وصحن العيش كان يهدّئ الحنين ليس إلا.

الفتاة لم تنظر لسعر صحن العيش، فما يهم هو (قيمته)، فالقيمة التي تمثلها تلك الوجبة كانت تستحق، هي اشترت دفء العائلة، ورائحة الوطن، وألفة المكان. في حياة كل منا (صحن عيش) مستعدين لدفع الغالي من أجله، البعض هذا الصحن هو كتاب أو دورة تدريبية، أو جهاز هاتف، أو سيارة، أو لوحة فنية... إلخ،

فقبل مدة سمعت تعليق من فتاة على سعر كتاب وقعت عينها عليه، وكان (20) ريالًا عمانيًا، كانت مصدومة من السعر وقالت معلقة: من المجنون الذي سيدفع 20 ريالًا في كتاب؟! دون أن تعي أن بجانبها كانت تقف (مجنونة) مستعدة لدفع أضعاف هذا المبلغ من أجل كتاب، ولا شك أن هذه الفتاة ذاتها مستعدة لدفع ضعف هذا المبلغ مقابل شيء ذي قيمة معنوية عالية بالنسبة لها.

كلنا مجانين في عيون بعضنا البعض حين يتعلق الأمر بما نحب، فالرجل الذي يفضل دفء المرأة وحنانها على جمالها هو مجنون برأي من حوله، والشابة التي تدفع مبالغ طائلة من أجل تغيير شكل وجهها الذي كنا نراه جميلًا هي أيضًا مجنونة برأينا، لكن الواقع أن لا أحد مجنون، كما يقول مورجان هاوسل فنحن فقط نختلف في تقييم الأمور من حولنا، فما يستحق بالنسبة لك، قد أجده أنا تافها والعكس صحيح أيضا، لا لشيء سوى لكوننا نقف في زاوية أخرى.

وكما تقول الحكمة العربية (لولا اختلاف الأذواق لبارت السلع).

حمدة الشامسية كاتبة عمانية في القضايا الاجتماعية