«مشاهير الغفلة».. والقاعدة الذهبية
هذا الكم الهائل من الغثاء الهلامي الذي يملأ الآذان والعيون في منصات التواصل الاجتماعي.. كيف أصبح «مشهورًا» رغم تفاهته؟.. كيف يتقبله الناس، بل ويتابعونه رغم معرفتهم المسبقة بسفاهته وضحالة محتواه؟..
ففي الوقت الذي ينتقد فيه الكثيرون معظم شخصيات التواصل الاجتماعي، تراهم يتابعونها، ويحرصون على تتبع أخبارها، ويومياتها، بل ويضيعون ساعات متتالية وهم مشدودون إلى شاشات الحاسوب، يعلقون، ويتفاعلون، أو يتابعون بصمت أحيانًا، وفي الجانب الآخر تظهر تلك «الشخصية الكرتونية» وهي تذيع أسرار بيتها، أو تشتم غريمها، أو تأكل، أو تشرب، أو ترد على «السنابات»، ولا شيء غير ذلك.
والحقيقة أن شخصيات التواصل الاجتماعي لا تحتاج إلى الكثير من الحيل، والذكاء لتجذب جمهورها، سواء من المراهقين أو اليافعين، فما على هذه الشخصيات إلا أن تتخلى عن كل أوراق التوت التي تغطيها، سواء الأعراف الاجتماعية، أو المبادئ والقيم الإسلامية، أو حتى الحشمة والوقار والأخلاق، وتتخلى عن خصوصيتها الشخصية، هذا كل شيء، فـ«المال لا يعرف الحياء»، ولا يحتاج إلا لشخصية أنانية، وصولية، تعرف كيف توظف مهاراتها، وبذاءاتها أحيانًا في تشكيل نمط معين، يهرع إليه المتابعون لكي يعرفوا أخباره، ويتابعون صولاته وجولاته التي لا تسمن ولا تغني من جوع، ولا تقدم إلا ضياع الوقت للضحية «المتابع»، وجلب المال لمنتج المحتوى التافه، وكلما كنت تافهًا أكثر، زاد مالك أكثر.
المشكلة أن هذه الفضاءات لا رادع لها، ولا ضابط لمحتواها، فما دامت لا تمس السياسة، و«الخطوط العريضة» لثوابت المجتمع، فهي في منأى عن المساءلة، ولا تتحرك الجهات الرسمية لوقفها إلا في حال انتهاكها لخصوصية حكوماتها، أو المساس بالسياسة العامة للدولة، أما غير ذلك فيدخل في باب «الحرية الشخصية»، لذلك تجد أن كثيرًا من المنتسبين لوسائل التواصل الاجتماعي يتصرفون وفق هذه الحرية، مهما كان المحتوى مبتذلا، أو يسيء إلى المجتمع المحافظ بشكل غير مباشر.
وفي العالم العربي بشكل عام تتدخل السلطات المختصة لقمع المحتوى الجاد!! فهي تقوم باعتقال نشطاء الرأي، وأولئك الذين ينتقدون سياسات حكومات بلدانهم، أو الذين يطالبون بالإصلاح الاجتماعي في بلدانهم، ولا تسمح إلا بمساحات ضيقة جدًا ومحدودة. للتعبير عن الرأي، بينما تسمح لتلك السرطانات المتوغلة «التافهة» بأخذ كامل حريتها في الابتذال، وتدمير أخلاقيات وسلوكيات الشباب، وتشويه أعراف ومبادئ المجتمع، تحت باب «الحرية الشخصية»، لذلك يجد هؤلاء المتحكمون في المحتوى ضالتهم بعيدًا عن أيدي العدالة، بحجة ممارسة هذه «الحرية»، وهي المفردة التي يُساء استخدامها؛ فالحرية الفردية قد تتحول إلى إخلال عام بقيم المجتمع، وتتحول الممارسات الشخصية إلى ممارسات جماعية عادية، ويتحول الفعل غير المنضبط في المجتمع إلى سلوك اعتيادي ومألوف، لا يأنفه الناس، ولا ينكرونه، وبذلك تختل المنظومة الاجتماعية ككل، وتهتز المعايير الأخلاقية في أعين وعقول الشباب.
يقول أحد المختصين في مجال وسائل التواصل الاجتماعي: «هذا الزمن، هو أنسب وقت لجمع المال، فبمجرد الجلوس أمام الحاسوب، وبث خصوصياتك «لايف» على الهواء، يدخل المال عليك من كل جانب، فقط تخلى عن سلوكك المحافظ».. هذه النصيحة أو الرؤية التي يراها هذا المختص تعكس بشكل كامل ما يحدث في عالم «الميديا» حيث يتحول الخاص إلى عام، وتتداخل حياتك مع حياة الآخرين، وتصبح مكشوفًا أمام الجميع، يقول أحدهم: «إذا أردت أن تصبح مشهورًا، فقف عاريًا في مجتمع محافظ»، وهذه هي القاعدة الذهبية لـ«مشاهير الغفلة» الذين يجذبون خلفهم آلاف المراهقين الباحثين عن المال والشهرة، حتى ولو دفعوا في سبيل ذلك كرامتهم وأراقوا ماء وجوههم.