مرافئ السلام
شكلت العلاقات العُمانية القطرية محورا مهما فـي مسيرة البلدين لأسباب عدة، تميزت دائما بالتقارب فـي الرؤى المختلفة، من خلال الزيارات بين القيادات طيلة الـ55 عاما الماضية، مما أكسبها مصداقية كبيرة وقدرة على مواجهة التحديات، بدءًا بزيارة المغفور له السلطان قابوس -طيب الله ثراه- للدوحة فـي عام 1973م، وانتهاءً بزيارة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق فـي 22-11 -2021 م. وتأتي اليوم زيارة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى سلطنة عُمان ولقاؤه حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق آل سعيد امتدادا لذلك التاريخ من العلاقات المتفردة، وفـي إطار الاهتمام المتبادل بين قيادتي البلدين الذي سيضيف بلا شك نتائج أخرى على ما تم بناؤه طيلة الفترة الماضية.. والمتتبع لهذه العلاقة المتميزة يجد أن نتائجها كانت ذات تأثير بالغ ليس فقط على المستوى الثنائي، بل على مسيرة مجلس التعاون وعلى مستوى استقرار الإقليم والدفاع عن القضايا العربية وتوحيد المواقف حول القضايا الدولية، وهذا ما أكسبها زخما كبيرا واهتماما بالغا. وقد أينعت هذه السياسة المتبعة فـي مواقف عدة خلال العقود الماضية، حيث استطاعت أن تتجاوز الظروف، ولعل الدور العُماني القطري خلال الأحداث التي شهدتها المنطقة كان له تأثير بالغ فـي توجهها إلى نهايات إيجابية، ولعل استمرار مجلس التعاون بهذا الوهج ضمن تلك الجهود إلى جانب الدول الشقيقة الأخرى أدى إلى بقائه شامخا رغم الظروف.
استند التفاهم العُماني القطري فـي قضايا كثيرة إلى الواقعية والهدوء والعقلانية فـي التعاطي مع الأحداث، وكان لمسقط وقطر دور مهم فـي ملفات عدة على المستوى الإقليمي والدولي ولعل آخر الجهود التي تبذلها الدوحة فـي إيقاف الحرب بقطاع غزة واحدة فـي الوجوه المشرقة فـي تلك السياسة الناعمة بعد أن تحملت مع الشقيقة مصر تعنت القيادة الإسرائيلية وإصرارها على إبادة البشر والشجر والحجر لأهلنا فـي فلسطين، وأيضا للدور العُماني فـي تثبيت الهدنة فـي أزمة الملف اليمني منذ أبريل 2022م على أمل التوافق النهائي خلال المرحلة المقبلة أثر بالغ على مجريات الأحداث فـي المنطقة والعالم.
هذه الزيارة التي تستقبل فـيها مسقط ضيفها الكبير ستؤسس لمرحله مهمة فـي التعاون بين البلدين فـي المجالات الاقتصادية والاستثمارية والثقافـية وستعزز من فرص العمل المشترك، واستمرار الدور الريادي للبلدين ومواصلة الجهود الكبيرة التي يشار إليها بالبنان، والتوصل إلى تفاهمات حول مشاريع مشتركة تخدم البلدين وتضيف إلى ما تم إنجازه سلفا، وتفتح المزيد من آفاق التعاون الذي يمكن أن يساهم فـي إضافة قيمة على توجهاتهما، ولعل الجانب الاقتصادي سيكون له الدور الأكبر والأبرز خلال المرحلة المقبلة، من خلال مشاريع ذات بعد استراتيجي واستثمار إمكانيات البلدين من موقعهما الجغرافـي والثروات الطبيعية التي ينعمان بها والإمكانيات المالية التي تتوفر لديهما فـي تطوير قدراتهما. البلدان يسعيان إلى زيادة التبادل التجاري بينهما على ضوء المعطيات السابقة، فالدولتان تتطلعان إلى مضاعفة أرقام التبادل التجاري من مليار ونصف المليار ريال عُماني بنهاية 2024م إلى أكثر من ذلك من خلال اللجنة العُمانية القطرية المشتركة التي تأسست فـي عام 1995 وعقدت 23 اجتماعا حتى اليوم، تبحث فـي الفرص التكاملية بين الجانبين التي أدت إلى زيادة الاستثمارات بنسبة 12% لتصل إلى 730 مليون ريال عُماني بنهاية 2023 مقارنة بعام 2022م، وبلغت الاستثمارات القطرية بنهاية الربع الثالث فـي عام 2024، 488 مليون ريال عُماني وارتفع عدد الشركات القطرية فـي سلطنة عُمان إلى 15 شركة والاستثمارات العمانية فـي قطر كذلك. إلى جانب تعزيز دور شركة الحصن للاستثمار وهو المشروع المشترك فـي صندوق استثماري تأسس عام 2007 للاستثمار فـي القطاعات المصرفـية والاتصالات والصناعة والغذاء والتكنولوجيا والتعليم والرعاية الصحية والسياحة والنفط والغاز، وكذالك جهود مجلس رجال الأعمال العُماني القطري الذي نظم فعالية مؤخرا فـي الدوحة. تربط سلطنة عُمان ودولة قطر أواصر تاريخية متجذرة من مصاهرة وتداخل قبلي وتواصل اجتماعي وكانت الزيارات بين الشعبين متواصلة طوال الحقب الزمنية الماضية، وسوف تستمر الأجيال فـي هذا التواصل الذي هو بعمق هذا الإخاء وعلى رأسها لقاء القيادات- حفظها الله.