متى نستقطب السائح الصيني؟
تمنحنا المؤتمرات والندوات التي نُدعى إليها أفكارا نيّرة ومعلومات قيّمة، نحصدها نتيجة الاطلاع على المعلومة، استمعنا منذ عدة أيام إلى أوراق العمل في المنتدى العماني الصيني «علاقات تاريخية وآفاق واعدة» ضمن مبادرة الحزام والطريق، بمناسبة مرور خمس وأربعين عاما من الصداقة بين سلطنة عمان وجمهورية الصين الشعبية، أثناء مجريات المنتدى، تذكرت مؤتمرا أقيم قبل عشر سنوات في دولة خليجية، شاركت فيه ضمن ضيوف المؤتمر، وأثناء حفل العشاء جرى نقاش يمكن تسميته بالعصف الذهني للمشاركين والضيوف، إذ توزع الضيوف على ثلاث طاولات، وعلى كل طاولة طُرح موضوع مقدم من اللجنة المنظمة، ومن ضمن المواضيع كان «كيف نستقطب مليون سائح صيني؟»، تحدثت منسقة اللقاء عن مستقبل الصين، وقالت إن العالم بدأ التحضير للتوجه نحو الثقافة الصينية عبر تعلم اللغة وفتح معاهد الترجمة من وإلى لغة كونفوشيوس. بعد ست سنوات من ذلك اللقاء زرت البلد الذي خطط لاستقبال مليون صيني كل عام، فلاحظت أعدادا كبيرة من الصينيين في الأسواق والشواطئ وحول معالم المدينة، فأدركت أن أي نجاح يتحقق وفق تخطيط محكم وسلطة تنفيذية جرئية في اتخاذ القرار وكوادر بشرية مُمكّنة من التقييم والمراجعة.
أثناء جلسات ملتقى العلاقات العمانية الصينية هالني توافق المشاركين على رسوخ العلاقات العمانية الصينية منذ القدم وإلى الآن، فعُمان هي الدولة العربية الوحيدة التي تربطها علاقات ثقافية وتاريخية واقتصادية مع الصين، وأيضا عُمان الأقرب جغرافيًّا إلى دول الشرق. لكن مع كل ذلك لم نوظِّف البُعد الثقافي في الاستفادة من الصين وقوتها الاقتصادية الهائلة، فما الذي يمنعنا من الترويج لعُمان في الصين، واستقطاب السائح الصيني على مدار العام، وإطلاعه على التواصل الإنساني بين مدن عمان وموانئ الصين.
لقائل أن يقول إن عائق اللغة يقف حاجزا أمام التواصل بيننا وبين الصين، وهذا منطقي إلى حد ما، ولكن كل تواصل إنساني تمهّد له الثقافة بشكل عام واللغة بشكل خاص، لذلك لا بد من طرح مشروع اعتماد اللغة الصينية لتكون اللغة الثالثة في المناهج الدراسية، سواء في التعليم العام أو في مؤسسات التعليم العالي بالتعاون مع معهد كونفوشيوس المعني بنشر اللغة والثقافة الصينية، وأغلب الظن أن جمهورية الصين الشعبية ستقدم المنح الدراسية المجانية وربما تتكفل بدعم المشروع.
إن التوجه إلى الشرق ودراسة الثقافة الصينية خيار استراتيجي لمن يفكّر في المستقبل، وقد بدأت بعض الأسر في الدول الأوروبية بتدريس أبنائها اللغة الصينية لضمان مستقبلهم المهني والوظيفي. وفي المنطقة العربية يُلاحظ اهتمام بترجمة الأدب الصيني إلى اللغة العربية في السنوات الأخيرة، وهي خطوة مهمة في التعرُّف على الثقافة الصينية عن طريق كتابها يوهوا ومويان وسوتونغ وآخرين.
ولكي لا نبخس الناس أشياءهم فإنا نُقدّر ونثمّن الجهود الرامية إلى التقارب بين سلطنة عمان والصين، وتظهر الجهود في إقامة النصب التذكاري للرّحّال الصيني تشنغ خه المعروف عربيا باسم حجي محمود شمس الدين في منطقة الحافة بشاطئ صلالة، وقد أصبح النُّصب مزارا ومعلما من معالم مدينة صلالة، ويمكن توظيفه في الترويج لاستقطاب السياح الصينيين مستقبلا.
آن الأوان للترويج للمعالم الثقافية العُمانية ليس في الصين فحسب بل في دول شرق آسيا كاليابان وكوريا والهند، وتحويل المحافظات إلى أماكن جذب للسياح الآسيويين، نظرا لتنوعها المناخي، إذ يوفر سياحة شتوية في المناطق الصحراوية والجبال في الشمال، وسياحة صيفية في موسم خريف ظفار.