متلازمة الطفل الذهبي
كنت مدعوة في بيت أحد المعارف، ولم يحضر أي من الأبناء على المائدة معنا، فالكل كان خارج البيت، كان الابن الكبير وهو في العشرين من العمر أول الواصلين، فهبّ الجميع لاستقباله وتجهيز السفرة له، ثم توافد الأخوان الآخران واحدًا تلو الآخر، لكن ما لفت انتباهي أنهما لم يلقيا الترحيب ذاته، ووجدت كل واحد يذهب للمطبخ ويأتي بغدائه، علقت ضاحكة على الموضوع، فبادرتني الأم قائلة: «لا هذا شيء ثانٍ، هذا دلوع العائلة» شريط مر ّأمامي سريعًا على نماذج عدة من (دلوع العائلة) في أغلب الأسر من حولي في الواقع.
فدائمًا هناك نموذج الولد المدلل والمفضل لدى والديه، في مقابل ولد آخر هو (ابن البطة السوداء) كما يطلق على نفسه استهزاءً، هو الذي دائمًا على خلاف مع والديه، ولا يعجبهم فيه العجب، رغم أنه وفي الواقع فإن (ابن البطة السوداء) هو الذي سيهبّ في وقت الشدائد للوقوف مع والديه، وخدمتهما والتضحية بماله ووقته من أجل الأسرة، في حين أن ذلك الطفل المفضّل هو أول من يتخلى عن مسؤوليته تجاه والديه، وفي الغالب ينشأ مدللًا، عديم المسؤولية، يتوقع أن تسخّر العائلة كلها لخدمته، هذا الطفل الذهبي في الغالب سيكون زوجًا كسولًا اتكاليًا، يعتمد على زوجته في إدارة شؤون حياته.
هذا الطفل إما أن يكون البكر (ولي العهد) الذي لا يمس، أو هو آخر العنقود (يا دهينه لا تنكتين)، وهو الذي تعقد عليه الأسرة الكثير من الآمال، ويتوقعون منه أداءً استثنائيا أيضا في المدرسة وفي العمل، وقد يتفوق فعلًا في كليهما، لكن الحياة ستشغله عن مسؤولياته تجاه أسرته، ولكن عيوبه لا ترى، وأخطاءه عسل على قلب والديه معا أحيانا، وأحدهما في بعض الأحيان.
(الطفل الذهبي) قد يفشل في تكوين علاقات سوية في المستقبل؛ فالضغوطات التي مارسها عليه الأبوان، وطالبته بأن يكون مثاليًا، قد تؤدي به إلى اضطرابات سلوكية في المستقبل عندما يعجز عن مقابلة توقعاتهم، مثل الطفل الذهبي الذي تحدثت عنه في بداية المقال، فمن بين كل أشقائه هو الوحيد الذي فشل دراسيًا، فهل مرّ عليك طفل ذهبي في حياتك؟
حمدة الشامسية
كاتبة عُمانية في القضايا الاجتماعية