لماذا تأكل قشر المانجو يا أبي؟
جاء الأب بحبات مانجو لذيذة، راح يقشرها أمام أبنائه، ويعطي كل واحد منهم حبة، فيما كان هو يتلذذ بأكل القشر، سأله أحد الصغار بدهشة: لماذا تأكل قشر المانجو يا أبي؟ فأجاب الأب بابتسامة: حتى لا تضطر أن تأكلها أنت وإخوتك.
قشر المانجو الذي يأكله الآباء ليس مجرد قشر فاكهة، بل هو رمز للتضحيات الكثيرة التي يقدمونها في سبيل توفير حياة أفضل لأبنائهم، فعندما ترى والدك يقود تلك السيارة المتواضعة التي ربما تخجل أحيانًا أن يراك أصدقاؤك فيها، تذكر أنه يفعل ذلك لتتمكن أنت وإخوتك من ركوب السيارات الجديدة، وعندما ترى والدك يلبس «الدشداشة» التي فصلها لعيد الفطر مرة أخرى في عيد الأضحى، تذكر أنه يفعل ذلك ليضمن أن تلبس أنت وإخوتك ملابس جديدة في كل مناسبة. هو يستخدم هاتفه القديم الذي مر عليه الزمن وتهالك، ليتيح لك ولإخوتك امتلاك أحدث الطرازات من الهواتف الذكية، فلا تشعر بالدونية وأنت تقارن نفسك بأصدقائك، هو قد يقضي ساعات عمله الطويلة دون أن يتناول وجبة، من أجل أن يوفّر ثمنها فقط ليؤمّن لك وجبة مغذية ومشبعة.
هذه التضحيات ليست أفعالًا عابرة، بل هي اختيارات واعية تحمل معاني الحب والمسؤولية يمارسها الآباء على الدوام، إن الثمن الذي يدفعه الآباء من أجل أن تنعم أنت بالراحة والرفاهية باهظ جدًا، ولكنك لن تدرك حجمه وقيمته الحقيقية، إلا عندما تجد نفسك في يوم من الأيام أبًا أو أمًا، تواجه الخيارات نفسها، وتختار التضحيات نفسها.
والدك يأكل الكثير من القشور من أجل أن تحيا أنت هذه الحياة المرفهة التي تحظى بها، والتي تفاخر بها أقرانك دون أن تشعر، في المقابل نعجز نحن كأبناء عن تقديم التقدير الذي يستحقه آباؤنا، رغم أن هذا لا يتطلب أحيانا سوى أفعال صغيرة تعبّر عن امتناننا لهم، وعدم تحميلهم ما لا يطيقون من نفقات، ومن خلال إظهار مشاعر الحب لهم، وأن نكون مصدر فخرهم، وهو أقصى ما يتمناه الآباء من أبنائهم.
حمدة الشامسية، كاتبة عُمانية في القضايا الاجتماعية