كم رزقت من مال حقا؟
كثيرا ما نتغنّى بالفقر، ويدّعي الكثيرون منا بأن الله الرزاق منع الرزق عنا، كون الأرزاق مقدرة، والبعض رزقه أُجِّل إلى الآخرة، رغم أرزاقه التي تحيط به من قبل ولادته حتى، فكون أن الله اختارك لأن تولد في هذا الزمن من عمر البشرية رزق عظيم بحد ذاته، ولكونك وُلدت في هذه البقعة من الأرض بالذات، ولوالدين كوالديك فضل عظيم من رب العالمين، لكننا حصرنا الرزق في المال أو تحديدا بالنقود، فطالما أننا لا نملك الكثير منها فنحن محرومون، هذه القناعة مميتة فهي تعمل كالغشاوة على العين تجعلك لا تلحظ بحر الرزق الذي تغرق فيه، ولست قادرا على الاستمتاع به، لأنك ببساطة لا تراه، فالنظر ليس كالرؤية ببساطة.
أذكر تطبيق جميل مر بي في كتاب (السحر) لروندا بايرن منذ سنوات، ما زلت أعود إليه كلما سولت لي نفسي إهمال عبادة الشكر، والتطبيق يتطلب سرد كل ما رزقت به طوال حياتك دون حول منك ولا قوة، ودون أن تطلب، لتدرك في نهايته بأنه دائما كان هناك طعام على المائدة، مهما كانت الحالة المادية لوالديك، فأنت لم تمت جوعا، وكان لديك منزل يؤويك ويقيك تقلبات المناخ، ولم تكن عاريا يوما، رغم أن طولك يزداد باستمرار، ولا بد أيضا من زيادة طول ملابسك بتغييرها بملابس أكبر، وكنت تذهب للمدرسة في حافلة أو سيارة، وتوفرت لك أدوات مدرسية وزي لا تعرف كيف تدبرت كلفتها، وكانت لديك ألعاب، وربما خرجت في نزهة مرارا مع والديك، ما كنت تشتكي إلا أُخذت لمستشفى وتم توفير العلاج مجانا لك حتى لو كان في عيادة خاصة، كانت مستلزمات العناية الشخصية موجودة دائما في دورة المياه من صابون وشامبو ومعجون أسنان وفرشاة، وكنت تتسلى في أوقات فراغك بقراءة كتاب، ومشاهدة تلفزيون، أو هاتف نقال يتطلب تشغيله كهرباء وتوصيل بالشبكة العالمية.
كل هذه الأشياء أرزاق حصلت عليها طوال حياتك، فهل حقا حرمك الله، ناهيك عن القدرات والمواهب والفرص التي أُتيحت لك فاخترت تعطيلها، خوفا ربما وربما تكاسلا، لقد وصف الله جلت قدرته ذاته برب العالمين، وحاشا لرب مثل هذا أن يفرّق بين خلقه إلا بالتقوى، لقد منَّ الله علينا بأرزاق لا نهاية لها وأمرنا للحصول على بعضها بالسعي، فعطلنا السعي، وكنتيجة لذلك لم نحصل على نتيجة، فكانت الإصبع سريعا ما تشير إلى (موزع الأرزاق) والعياذ بالله.