كأس العالم وذكريات المباريات النهائية
نسعد حين تستضيف الدول العربية الأحداث العالمية الكبرى، فنجاحها يمثل نجاح العرب في الاستضافة والتنظيم، بل ويساهم ذلك في الترويج للثقافة العربية وتغيير الصورة النمطية المثبتة استشراقيا في أذهان الآخرين عن البلاد العربية، المختزلة في صورة الصحراء والناقة، أو حفلات الرقص وأجواء ألف ليلة وليلة. لذلك نأمل أن ينجح مونديال قطر في تغيير الصورة عن العرب، ومبدئيا نراهن على نجاح الأشقاء القطريين في ذلك لأنه مونديال قطر 2022، استثناء بكل المقاييس سواء من حيث توقيت انطلاق البطولة في الشتاء وليس في الصيف كما هو معتاد، أو كون الدولة المستضيفة لم تكن من الدول المتأهلة لبطولات كأس العالم السابقة، بالإضافة إلى أنها لأول مرة يقام المونديال في الوطن العربي أو في غرب آسيا، ناهيك عن أنه أقيم في دولة مساحتها الجغرافية صغيرة. لكن عزيمة وإرادة الأشقاء القطريين حولت المستحيل إلى واقع، وحققوا المراد في الاستضافة، ومن يتابع الاستعدادات والبناء والتحديث في قطر يدرك معنى الجهود المبذولة للتميز والإبهار، بل وتسجيل مونديال قطر كأفضل بطولة في تاريخ كأس العالم.
يُذكرني كأس العالم لكرة القدم بأول مباراة شاهدتها في البطولة المذكورة، فقد شاهدت المباراة الافتتاحية لكأس العالم إيطاليا 1994، بين الكاميرون والأرجنتين وفوز أسود أفريقيا على حامل اللقب بهدف وحيد. لكن رفاق الأسطورة مارادونا لم تمنعهم الهزيمة من بلوغ المباراة النهائية، والتي شاهدتها بتشجيع من جارنا في معاطن الإبل، محمد بن سهيل العمري (أبي ناصر) مر على خيام رعاة الإبل المؤقتة واستدعانا لنذهب معه ومع صبية آخرين إلى مرباط لمشاهدة المباراة النهائية. تسابقنا إلى سيارة اللاندكروز البيضاء منا من وجد مقعدا ومنا من جلس في حوض (البيكاب)، وانطلقنا من شعبون إلى مدينة مرباط في ليلة خريفية ممطرة. شاهدنا المباراة في أحد منازل الأهالي في المدينة، كانت المباراة منقولة على تلفزيون عُمان، منا من غفى ومنا من تابع المباراة بين ألمانيا الغربية والأرجنتين، وقد حزنا على خسارة مارادونا ورفاقه، وكان ذلك آخر نصر لألمانيا الغربية فبعد أشهر توحدت مع ألمانيا الشرقية، وستصبح البطولات بعد ذلك ألمانية لا شرقية ولا غربية.
بعد تلك البطولة حرصت على متابعة بطولات كأس العالم، ولم تكن بطولة أمريكا 1994 مفرحة لنا، حيث طُرد مارادونا من البطولة وأقصيت السعودية والمغرب من الدور الأول، ولكن المفرح هو الهدف التاريخي الذي سجله اللاعب السعودي سعيد العويران في مرمى البلجيك. أما الأسوأ في البطولة فهو مقتل اللاعب الكولومبي اندرياس إسكوبار الذي سجل هدفا بالخطأ في مرماه ليدفع حياته ثمنا لذلك الخطأ، إذ قُتل في كولومبيا من قبل تجار مخدرات راهنوا على تأهل منتخبهم للدور الثاني من البطولة.
لم تكن بطولة 1998 تُذكر بالنسبة لي إلا في الخروج غير العادل للمنتخب المغربي، وكذلك بطولة 2002. أما بطولة 2006، فقد كانت مختلفة بكل المقاييس فلأول مرة أعيش لحظات التشجيع مع جماهير يلعب منتخبها الوطني في المونديال، حدث ذلك في تونس التي لعبت في كأس العالم المُقام في ألمانيا، فكانت الساحات والمقاهي والبيوت تمتلئ بالمشاهدين وتتوقف الحركة تقريبا في الشوارع والطرقات. تكرر الأمر ذاته في ألمانيا في مونديال روسيا 2018، فقد وفرت جامعة هايدلبيرغ شاشة عملاقة في ساحة مطعم الطلبة، وكان مشهد الجلوس على العشب وصيحات المشجعين ملفتة للنظر ومهيجة للحواس. وحين تأهلت ألمانيا خرج الناس إلى الشوارع، وكان معظم المحتفلين من جنسيات مختلفة، على عكس جاري اندرياس الذي يزعجه تأهل (المانشفت) أي الفريق الوطني للبطولة، لأنه يرى أنه سيزداد الاهتمام بالكرة وأجور اللاعبين على حساب الخدمات الاجتماعية فضلا عن الإزعاج في الشوارع وما يتركه المحتفلون خلفهم.
تفصلنا عن بطولة كأس العالم في قطر عدة أيام، ونتمنى التوفيق للفرق العربية المتأهلة للمونديال، كما نبارك من الآن للأشقاء القطريين على نجاحهم في إدارة وتنظيم الحدث العالمي.