قلق الأسواق
يعتقد الكثير من المستثمرين في الأسواق المالية المحلية والعالمية أن المبالغ التي استثمروها في الأسواق سوف تحقق لهم مكاسب كبيرة وتصعد بأرباحهم إلى مستويات خيالية، وكثيرا ما يستذكرون المستثمر الفلاني الذي حقق أرباحا مضاعفة واستطاع تكوين "ثروة ضخمة" من استثماراته، وهو ما يجعلهم يعقدون كل آمالهم على الأسواق المالية ويستثمرون كل مدخراتهم في الأسهم والأدوات المالية الأخرى ويتنقلون من سوق إلى آخر بحثا عن الربح السريع.
وفي ظل ما تشهده أسواق المال العالمية حاليا من ضغوطات عديدة لأسباب سياسية واقتصادية مختلفة فإن قلق المستثمرين في هذه الأسواق يزداد بشكل قد يدفعهم إلى تسييل محافظهم والبيع بأي سعر للمحافظة على ما تبقى لهم من مدخرات والخروج بأدنى الخسائر.
لكن هل من المناسب التعامل مع كلّ تراجع تشهده الأسواق بهذا الشكل؟
عندما نعود إلى كثير من تصريحات كبار المستثمرين العالميين نجد أنهم يؤكدون أنهم استطاعوا بناء ثرواتهم من خلال قيامهم بالشراء في أوقات الأزمات بعد تحليل أداء الشركات، فليس كل سهم تتراجع قيمته يمكن أن يكون ذا جدوى ولكن من خلال الدراسة وتحليل أداء الشركة يستطيع المستثمر اتخاذ قراره بشراء السهم، ولهذا فإن كثيرا من المستثمرين يحتفظون بالسيولة لاستثمارها حين تتراجع الأسواق، وبالتالي فإنهم لا يشعرون بالقلق تجاه تراجع البورصات بل يعتبرونه مصدر ثرائهم.
وفي حالة تراجع الأسواق نود التأكيد على عدد من العناصر المهمة؛ لعل في مقدمتها ضرورة قيام المستثمر بتحليل أداء الشركة قبل أن يتخذ قرار التخارج من الأسهم لأن البورصات المالية شديدة التقلب، وإذا تعرضت اليوم لهزة عنيفة فإنها ستصعد مستقبلا.
المهم هو أداء الشركة ونتائجها المالية وقدراتها على تحقيق النجاح في المشروعات التي تديرها، ولهذا لا نرى أي مبرر للمستثمرين لبيع أسهمهم بأسعار متدنية حين تتراجع الأسواق، لأن المهم هو أداء الشركة ونتائجها المالية وقدرتها على تحقيق نمو سنوي في الأرباح.
العنصر الثاني هو أن تراجع الأسعار فرصة للمؤسسات الاستثمارية المحلية للاستفادة من هذه التراجعات وتعديل أسعار شراء العديد من الأسهم التي اشترتها في أوقات سابقة بأسعار أعلى، كما أن قيام المؤسسات الاستثمارية بضخ مزيد من السيولة في البورصة يحافظ على استقرارها ويقلل تأثيرات التراجعات العالمية عليها ويؤكد ثقة المستثمر في الأسهم المحلية، كما يُسهم في الوقت نفسه في تقليص الخسائر غير المحققة لمحافظ المؤسسات الاستثمارية المحلية.
العنصر الثالث، هو أن يعمل المستثمر على تعديل نظرته تجاه الاستثمار بشكل عام بحيث يركز على تنويع استثماراته لتشمل العديد من المشروعات في الاقتصاد الحقيقي كالصناعة والتجارة والخدمات بالإضافة إلى الاستثمار في قطاع الأوراق المالية، وفي هذا القطاع؛ عليه أن ينوّع محفظته الاستثمارية لتشمل مجموعة من الشركات يتم اختيارها بناء على أدائها المالي وقدراتها التنافسية وإمكانياتها للنجاح في القطاع الذي تعمل فيه.
إن سعي أصحاب الأموال إلى تحقيق الربح السريع لا ينبغي أن يدفعهم إلى الاستثمار في مشروع واحد أو قطاع اقتصاديّ واحد فقط، لأن الاقتصاد في دورة مستمرة، فإذا كان قطاع السياحة أو الصناعة أو الأسواق المالية هو المسيطر على الاقتصاد اليوم فإننا سوف نجد قطاعات أخرى تحظى بالأهمية مستقبلا، ولهذا فإن تنويع الاستثمارات ينبغي أن يكون هو هدف المستثمرين للمحافظة على مدخراتهم وتحقيق الاستقرار لمحافظهم الاستثمارية خاصة عندما تتراجع الأسواق.