في مؤسساتنا الصحية .. الحل الأسهل : ما نمشي على الوقت !

06 نوفمبر 2024
06 نوفمبر 2024

ما إن يراجع الدكتور الفلاني سجل الجدول المزدحم فـي مؤسساتنا الصحية الحكومية، حتى يحدد لك الموعد القادم، ويخبرك بأن الموعد سيكون فـي التاريخ الفلاني والساعة الفلانية، لتصلك رسالة تؤكد ذلك الموعد.

وإذا ناقشت الدكتور عن سبب تأخر الموعد، فالسبب جاهز ومنطقي ومقبول غالبا، فالجدول مزدحم وهذا أقرب موعد متاح.

نتقبل، فـي الغالب، هذا العذر، ونعمل على التجهيز للموعد القادم، ونتخذ عدة وسائل لتذكير أنفسنا، لأن فوات الموعد يعني الانتظار أحيانا لشهور إضافـية.

وهذا ما يجب علينا الالتزام به كمراجعين لمؤسساتنا الحكومية، بأن نحترم المواعيد والأوقات حتى نحصل على خدمة صحية مجانية، فننظم ظروفنا ونجدول أعمالنا لنكون فـي الموعد المحدد، فلا نأخذ مكان شخص آخر، ولا نقبل بأن يأخذ موعدنا شخص آخر، احتراما للتنظيم وللمراجعين والعاملين. فإذا كان الموعد فـي الساعة 11 صباحا، فمن المنطقي أن أنهي إجراءاتي كحد أقصى فـي الساعة 12 أو بعدها بنصف ساعة، ويمر هذا الوقت بين قسم السجلات، ثم المعاينة، ثم الدكتور، وأخيرا الصيدلية.

ولكن ما إن تصل إلى المؤسسة الصحية، وتجد لافتة لم تبرح مكانها منذ سنوات (سيطبق نظام حضور المواعيد بالوقت المحدد ابتداء من 17 يوليو 2022)، حتى تجد نفسك وسط زحام المراجعين، ويفاجئك موظف الاستقبال بالحل الأسهل لديه ولإدارة المستشفى: «ما نمشي على الوقت»، ويطلب منك الانتظار مع بقية المراجعين قبلك، حاملا رقما زوجيا كبيرا تنتظر حتى يظهر على الشاشة.

ولا فائدة من الجدال، ولست الوحيد الذي يخوض هذا النقاش، فتجد من يأتي بعدك يعيد نفس الشكوى، ويرد موظف الاستقبال مرارا «ما نمشي على الوقت»، ويجتهد أحيانا بعبارات أخرى لكسر روتين التكرار مثل: «ليست لي علاقة بالمواعيد، أنا فقط أفتح السجل، يمكنك مناقشة الدكتور». لكنك لا تستطيع الوصول إلى الدكتور، فبينك وبينه بوابة لا تفتح إلا بوجود حارس أمن، يسمح بالدخول فقط بعد التأكد من تطابق رقم الورقة التي تحملها مع الرقم المعروض على الشاشة.

تتوالى فـي ذهني العديد من التساؤلات: ألا يمكن أن يُحدد الموعد بالتاريخ فقط، مع ملاحظة أن الدخول يكون حسب أولوية الوصول؟ ألا يمكن تنظيم مسألة الوقت بحيث يتحمل المتأخر عن موعده الانتظار إذا كان صاحب الموعد المحدد موجودا؟ وغيرها من الحلول التي يمكن تطبيقها بعد إدارة صحية تجاوزت الخمسين عاما، إذ لا أتحدث هنا عن شخص مسن، بل عن مؤسسة يفترض أن تتطور وتجدد كوادرها وتحدث أنظمتها بدلا من تكرار مشكلات عمرها يزيد عن العشرين عاما. تضطرني الظروف الصحية فـي كثير من الأحيان إلى التوجه إلى المؤسسات الصحية الخاصة، لسبب واحد فقط، وهو تجنب الوقوع فـي زحام لا ينتهي، أو الذهاب إلى المؤسسة الصحية قبل افتتاحها إذا كانت المشكلة الصحية تتطلب فحوصات طويلة. فبطبيعتي الشخصية، أثق بقدرات الكوادر الطبية فـي مؤسساتنا الحكومية، لكن حديثي هنا يتعلق بغياب التنظيم فـي المواعيد وحتى فـي أولويات الحالات.

أذكر عندما ذهبت إلى قسم الطوارئ بعد ساعات من حادث سير قوي، حيث لم أشعر بأي ألم فـي البداية، إلى أن بدأت آلام رقبتي بالظهور تدريجيا. ربما كان خطئي أنني لم أذهب بسيارة إسعاف، أو لم أقم بالادعاء بأن الألم شديد، فانتظرت حوالي 4 ساعات دون أن يحين دوري. لأنه يتم تصنيف الحالات إلى ثلاث فئات، طارئة، ومتوسطة، وبسيطة. ربما تم تصنيفـي ضمن الحالات البسيطة، والمفارقة كانت عندما سألت الممرضة عن موعد دخولي إلى الطبيب، فقالت «تعال الساعة 4 فجرا»، وكان سؤالي قد طُرح فـي الساعة السابعة مساء بعد انتظار 4 ساعات! فقررت إزالة الدعامة المؤقتة عن رقبتي التي وضعت لي فـي غرفة المعاينة، وعدت إلى المنزل مسلما أمري لله.

فهل سنشهد قريبا حلا جذريا لمسألة الانتظار، أم سنظل نسمع نفس العبارة المكررة «ما نمشي على الوقت»؟