في الحمى شفاء
للمتنبي قصيدة جميلة في الحمى يقول فيها:
وزائرتي كأن بها حياء
فليس تزور إلا في الظلام
بذلت لها المطارف والحشايا
فعافتها وباتت في عظامي
في العصر الحديث خصص الطبيب النفسي يوليوس فاجنر ياورج في بداية القرن التاسع عشر أبحاثه لدراسة تأثير الحمى في الشفاء من الأمراض، حيث اكتشف أن للحمى دورا فعالا جدا في مقاومة العدوى والقضاء على الفيروسات في الجسم، فبدأ تجارب جريئة من خلال حقن مرضاه بسلالة ضعيفة من التيفوئيد والملاريا والجدري من باب «وداوها بالتي كانت هي الداء» حيث تبين من خلال التجارب التي قام بها أن ارتفاع درجة حرارة الجسم بمقدار درجة واحدة يبطئ من تكاثر الفيروسات في الجسم، وقد أثبتت الدراسات المتتالية فيما بعد دور الحمى في تعزيز جهاز المناعة لدى الأطفال، أعتقد جميعنا نعرف ذلك الآن، ولكن في الوقت ذاته سنبذل قصارى جهدنا لمحاربة الحمى بكل ما أوتينا من قوة، فمن اللحظة التي نشعر فيها بارتفاع درجة حرارة أطفالنا أو درجة حرارتنا؛ نسارع بتناول الأقراص المخفضة للحرارة والتي لا يكاد يخلو منها بيت، فهي متوفرة حتى في محلات السوبر ماركت.
حتى الأطباء الذين يعرفون هذه الحقيقة لا يسعهم إلا الانصياع لطلبات المرضى من أجل تخليصهم من الآلام، ذلك أن الألم غير مريح، ولا أحد منا يريد أن يتألم، المشكلة أن هذا يسري على كل جوانب حياتنا، لابد من الألم من أجل أن نجني ثمار أعمالنا، فرحلة الثراء مثلا تتطلب الخروج من منطقة الراحة مع كل ما يعنيه هذا الخروج من ألم، والعوائد الاستثمارية مرتبطة دائما بالمخاطر، فكلما ارتفعت المخاطر؛ ارتفعت العوائد تبعا لذلك. لابد من ألم المخاض، ليخرج الإنسان إلى الحياة، ولابد أحيانا من ألم الحقنة حتى تتشافى، ذلك أن الألم مسألة حتمية وضرورية لتستمر الحياة، عندما تريد جسما بعضلات مفتولة فلابد لك من تحمل ألم العضلات الناتج عن التمرينات الرياضية الشاقة.
النجاح في أي مجال إذن ليس استثناء من هذه القاعدة، اسمح لنفسك بقليل من الألم لتصل، و(وجع يوم ولا وجع دوم) قد يكون استئصال المرض مؤلما، لكن العيش معه أكثر إيلاما.