عبودية الوظيفة
سامح الله عباس محمود العقاد الذي أطلق عبارته الشهيرة «الوظيفة رق القرن العشرين» بعد أن استقال من وظيفته الحكومية، لكن العقاد عاد عن رأيه هذا وعمل مرة أخرى في وظيفة في مصلحة التلغراف بعد أن عجز عمله الحر أن يوفر له الدخل المناسب.
هذه العبارة باتت تردد اليوم من قبل شريحة من الشباب، مبررين بها طموحهم بأن يكونوا رواد أعمال، وأرواح حرة لا يحدها الطموح، ورغم إعجابي الشديد بهذا الطموح، والأهداف الواضحة والرؤية المحددة لهذا الجيل، لكن تخيفني أيضًا هذه النظرة، لاعتقادي أن الحياة لا يمكن أن تستقيم بدون وظيفة، أنت تحتاج لوظائف القطاع العام التي توفر لك بيئة تمكنك من ممارسة أعمالك الحرة، بدءًا من نظام التعليم القائم على وظائف المعلمين، مرورًا بالقطاع الصحي الذي يحفظ حياتك، والجهات العسكرية بكل اختصاصاتها التي توفر لك بيئة آمنة.
وحتى في القطاع الخاص لا يمكن الاستغناء عن الوظائف، إذ لنفترض أنك أسست مشروعًا تجاريًا، مشروعك أيضًا يحتاج إلى موظفين ينجزون مختلف الوظائف فيه، إنها عملية، وهذا ما يجعل الوظائف أدوار حيوية لا تستوي الحياة إلا بها، أنت من الضرورة بمكان أن تبدأ كموظف لتكون رائد أعمال ناجح؛ لأن الوظيفة ستكسبك مهارات لن تستطيع اكتسابها من مشروعك، وستتيح لك الاحتكاك بشريحة واسعة من الخبرات في مجالات قد لا تتوفر في مجال عمل مشروعك، إضافة إلى شبكة التعارف الواسعة التي هي أكبر وأهم الموارد على الإطلاق في مجال العمل.
ترديد مثل هذه العبارات، و دفع الشباب إلى ريادة الأعمال دفعًا قبل أن يتمكنوا من خوض التجربة العملية في مجال العمل، كانت نتيجته إهدار أموال ضخمة من موازنات دعم المشروعات الصغيرة التي بدأها البعض وليس في رصيدهم سوى (الطموح والشغف) الذين أوهموا بأنه يكفي للنجاح في هذا العالم السحري، حيث كل الطرق ممهدة وسالكة، فقط ليتفاجؤا بأن الطريق وعر، لا يخلو من التحديات، وأنهم بحاجة إلى اكتساب مهارات معينة للنجاح فيه.
جعلت هذه العبارات أيضا أمثالهم من الموظفين، يشعرون بالاستياء من مهامهم الوظيفية، يؤدونها بدون حماس ولا بهجة، يقضون اليوم بانتظار ساعة انتهاء الدوام، وتصبح أغنيتهم المفضلة (الخميس الونيس).