عبدالرحمن مجيد الربيعي.. وداعا
غيب الموت الكاتب العراقي المقيم في تونس عبدالرحمن مجيد الربيعي، صاحب الرواية الخالدة الوشم، المصنفة ضمن 100 رواية عربية، بالإضافة إلى العديد من الروايات والمجموعات القصصية والأشعار. ولد الربيعي في مدينة الناصرة عام 1939، وقد اتخذ منها مسرحا لأحداث روايته الوشم، إضافة إلى اسم بطل الرواية كريم الناصري. تخرج الربيعي من معهد الفنون الجميلة وكلية الفنون ببغداد سنة 1969، عمل بعدها مدرسا للرسم في إعدادية الأعظمية ببغداد، وكانت له علاقات مع أعضاء الحزب الشيوعي المطاردين، بعد وصول حزب البعث إلى الحكم سنة 1968. ترأس عبدالرحمن الربيعي تحرير مجلة الأقلام الثقافية التي تصدرها وزارة الثقافة والإعلام. ثم عمل معاونا لمدير المركز الثقافي العراقي ببيروت، ونتيجة لظروف الحرب الأهلية اللبنانية انتقل للإقامة في تونس سنة 1980، ثم رجع مرة أخرى لبيروت لإقامة مؤقتة بسبب الحرب العراقية الإيرانية، وحالة التضييق على المثقفين الذين لم ينخرطوا في تأييد الحرب. استقر بتونس سنة 1989 وحصل على جنسيتها.
في تونس التقيت بصاحب الوشم في خريف 2005، أثناء جلسة ثقافية في مقر اتحاد الكتاب التونسيين بشارع باريس، وكان مدير الجلسة الكاتب والروائي التونسي كمال الرياحي، الذي تعرفت عليه، وأصبح من أعز الأصدقاء والأشقاء. بعد الجلسة تجولت مع الربيعي في شارع الحبيب بورقيبة، وحدثني عن الأدب والأدباء والكتابة، كنت حينها أتابع دراستي للماجستير في العلوم الثقافية، وأتلمس طريقي في الكتابة. قبلها كان السفير التونسي خالد الزيتوني -سفير تونس في مسقط 2001-2005- هو الذي اقترح عليّ قراءة رواية الوشم للربيعي، إذ كانت من المقررات الدراسية في المدارس الثانوية.
التقيت بالربيعي بعد ذلك في أكثر من مناسبة ثقافية، وأحيانا في شارع الحبيب بورقيبة، وفي ربيع 2007، دعانا الكاتب التونسي والمنشط الثقافي طارق عمراوي للمشاركة في ندوة ثقافية في مدينة باجة بعنوان (أقلام الكتاب العرب المقيمين بتونس) بحضور الكاتب والشاعر السوري الهادي دانيال، والربيعي، ونتيجة لبعد المسافة، فقد اعتذر عبدالرحمن عن المشاركة.
بالعودة إلى رواية الوشم التي عرّفت بكاتبها في الأوساط الثقافية العربية، بعد صدورها سنة 1972، فإن أحداثها تدور في العراق بين عامي 1958 و1967، بعد سقوط الملكية وتولي عبدالكريم قاسم رئاسة العراق. تبدأ الرواية بلحظة خروج كريم الناصري من السجن « تنفس كريم الناصري هواء الشارع بعد اختناق عريض، سبعة شهور جائرة طوقته بدقائقها ورعبها، هرست منه الدم والعظم والأعصاب»، سبعة أشهر كانت كفيلة ليتعرف كريم على رفاقه حامد الشعلان الذي تخلى عن أفكاره العلمانية وعاد إلى صلاته ونسكه، معاتبا كريم على استماعه إلى « النداءات اللقيطة التي يسمعها أو يقرأها». ويعاونه في تقديم النصائح لكريم، رفيقهم في السجن أيضا حسون السلمان، الذي تخلى هو الآخر عن نضاله وأعلن توبته، وعاد إلى حياته الدينية.
كتب حسين كاظم عن رواية الوشم دراسة منشورة باللغة الإنجليزية في مجلة فصلية «دراسات عربية» وترجمها الكاتب التونسي محمد البصيري « إن عنوان الرواية الوشم هو تلميح إلى انهزامية كريم وانهياره تحت ضغط السلطة الحاكمة، واعترافه بضلوعه وتورطه في تنظيم سري مناهض للحكومة، وكشفه لهويات أصحابه المتآمرين/ الثوريين، ونشره في الصحافة لبيان يتبرأ فيه من رفاقه القدامى والتخلي عن أية صلة له بهم قد تسيئ إليهم، إن كل هذه الأشياء يمكن أن ترقى إلى وشم مجازي غير قابل للمحو، بل هو دائم وثابت وسوف يعذبه ما بقي على قيد الحياة. قد يكون كريم غادر السجن دون ضرر بدني ولكن صوت انكسار حاد يتكسر في أعماقه».
هكذا ترحل الأجساد وتبقى مآثر الكتابة والتدوين تخلّد صاحبها، وتحفظ اسمه في سجل الخلود. إنها القيمة الحقيقية والمكافأة الرمزية التي يحصل عليها الكاتب بعد رحيله. رحم الله عبدالرحمن الربيعي وأسكنه فسيح جناته.