"طريق العقل وطريق القلب"

31 يوليو 2022
روزنامة التفكير
31 يوليو 2022

‏نرتطم بالأشياء من حولنا فلا نبالي، أو أننا نتجاوزها بإرادة ووعي كامل منا، أو نعبرها بلا أدنى التفات لها كعثرات ضبابية لا أثر لها، ولم نشعر بها من الأساس، إلى أن يرتطم ذهننا بسؤال ما، فلا يحدث أي مما سبق، بل أنك تجد نفسك تأخذ السؤال في ذهنك كعثرة أينما ذهبت، إلى أن تصل إلى عتبة باب الإجابة، لتكون رحلة البحث عن الإجابات هي رحلة الحياة نفسها، وما أن تكون الإجابات أكبر من السؤال، حتى تنقلك إلى سلسلة أخرى من التساؤلات، فلولا جدلية الإجابات لانقرضت الأسئلة من حولنا، لكن تظل هناك إجابات مختلفة على الدوام، لتوجد معها أسئلة لا نهائية لا تهدأ إلا حين ترتطم بأسوار الإجابة، وكما يقول الفلاسفة بأن لا وجود للحقيقة المطلقة، وخاصة في عالم يتسم بالصيرورة وعدم الثبات.

ذلك السؤال إما أن يأخذ ذهنك وبارتداد رجعي، لتعود بذاكرتك إلى النبش في ذخيرتك المعرفية، أو أنه يكون مدهشا ويحمل من الجدة ما يقودك إلى الأمام للبحث عن إجابته، فلا مرجع له مما تعرفه سابقا، فيسحبك إلى الأمام فتتعثر به إلى الحد الذي لا يمكن تجاوزه، فتحمله في ذهنك لحين إيجاد الإجابة.

ارتطم ذهني ذات يوم بسؤال أحد القراء حول روزنامة التفكير، وما إذا كانت قواعده وتطبيقاته التي كتبت عنها سابقا وعلى نحو متسلسل، يمكن تطبيقها على الشؤون الحياتية النفسية، أم أنها خاصة فقط بنمط تفكير العقل والتعلم المنهجي؟

روزنامة التفكير الذي ابتدأ بالفكرة وقوتها، وضرورة تغيير مسارها لتحقيق الهدف باتزان شديد واستخدام طرائق التفكير المختصرة، التي تسهل الوصول إلى الهدف، مع ادخار في الوقت والجهد، وأساليب توليد الأفكار، ليصل إلى البحث عن طرائق معينة لتعليم التفكير، محاولة لاكتمال الروزنامة لتكون دليلا للمفكرين المبدعين وليكون الإبداع في متناول من ينشده.

فحملت السؤال في عقلي، ولم أتخفف من عبئه بعد أن وجدته مستشربا في أعماقي، إلا فور كتابتي لهذا المقال.

لتدبير شؤون الحياة، ولتسير في اتجاه حيوي، وسيرورة مستمرة تحتاج إلى زاد قوامه التفكير، لتعديل مسارك مرة بعد مرة، منقادا لأفكارك التي تنطلق من عقلك الواعي واللاوعي، نتيجة لتأثره بتفاعلك مع المجتمع، ووعيك الذاتي بحدود رغباتك واتجاهات أحلامك.

وذلك التفكير له دربان مختلفان، لا ينطبق عليهما التوجه السائد بأن تسلك أحدهما وتترك الآخر، وهو أمر عبثي أن تفعل ذلك، عليك أن تسير على كلاهما ألا وهما: طريق العقل وطريق القلب، فحسب تصور أوشو قديما فإن "نصف البشرية تتبع طريق المعرفة، ويتبع نصفها الآخر طريق المحبة".

طريق العقل محفوف بالتعلم، ومعالجة كميات المعلومات والمدخلات التي يستقبلها العقل، وتحليلها وترميزها، لإعادة استخدامها لاحقا للوصول إلى نتائج ما.

وطريق القلب تسير عليه لاستعادة توازنك النفسي، وكسر حدة التوتر والتغلب على المخاوف، فإنها لا ترضخ لأي من قوانين العقل والتفكير السابقة، ولا تتبع أي من آلياتها بشكل أو بآخر، وعليك أن تنشئ نسختك الخاصة من الطريق الذي يتلاءم مع حياتك، فهي رحلته الخاصة التي لا يمكن تقليدها واستعارتها من الآخرين، فهي خبرة نفسية عميقة لا تقاس بالكم المعلوماتي المتراكم.

وقد يكون الأمر أشبه بطريق واحد، ينبثق منه هذان المساران لتسلكهما وقتما تشاء، فما يتم وزنه بميزان العقل لا ينطبق على قوانين القلب وتوجهاته، كما أن تحكيم العقل في أمور القلب قد يكون مرهقا للنفس إلى حد ضار، فليست كل المسائل من الممكن البت فيها عن طريق العقل، كما أنه من السهل دحض مبادئ العقل في حضور وسطوة العاطفة، فكما يقال إن العقل والأفكار وحدهما ليسا كافيان لمعالجة كل المسائل واتخاذ القرارات.

فوحده القلب مكمنا للسر الذي ينبثق منه السلام الداخلي، الذي يستشري في الجسد كاملا، وليتعداه أيضا فيكون محيطا ومطوقا به كهالة من حوله، ذلك السلام الذي يبدأ على نحو شعوري، واستقرار يملأك فتصحبه معك، ليكون ميزانا تحكم به جميع أمورك المتعلقة بالحياة، ومعيارك الصادق الذي لن يخدعك أبدا طالما جوهرة قلبك لا شائبة تمنع بريقها الصقيل.