صلبوا المجدليَّة وابن مريم
(1)
رحلوا من الفردوس، غدروا بالتّفاحة في طريقهم إلى الكلمات والكائنات، والطِّين، والرُّواة، والأوطان، والأقوام. وفي الكثير من ذلك حاقَ بهم الغبار.
حسن جدا: لا ينبغي أن أنتظر أي أحد.
(2)
الفِيَلَة، والزَّرافات، وألوان الجمر وقوس قزح، وتسريبات الرَّماد في وارد نفينا مرَّة أخرى من البلاد الحمقاء إلى الصِّراط الأبله.
هل أهتمُّ بذلك؟
(3)
يصيبني التَّعب والإرهاق مع كل نقرةٍ على الملكوت (مُنْهَكٌ أنا، ولم أعد أطمح إلى البياض).
(4)
لستُ آثما لمجرد أني لا أستغفركِ. لستُ عاشقًا؛ لأن الغرام أتاح لنا قبلة واحدة، مختَلسة، وسريعة فحسب. ليس لأنك فتحت باب السيارة التي تسير بسرعة مائة وثمانين كيلومترًا في الساعة وطلبتِ مني أن أنزلك ونحن في طريقنا إلى الضَّباب والنَّدم. لستُ صالحًا للتوبة، والنَّدم، والنوم لمجرد أنني أتردد أمام قميصكِ الذي لن يكون في المتحف.
(5)
أطلقوا الكلب البوليسي، انطلق الكلب نحو هضاب عالية في آخر المدينة حيث يوجد مبنى شامخ ومهجور. عاد الكلب حاملا لسانه بين أسنانه.
(6)
أمام شاشة الكمبيوتر، قُدَّام زيجات العائلة، في المساحة التي تتيحها ابتسامات الشَّقيقات، في الخوف من الرِّضوان والعقاب، من استحالة الدَّفن هناك، أعبث بالسماء، وأخاف من خوف السماء.
هذا ما كنتُ أنشده، وهذا كل ما أخشاه.
(7)
لقد مات مرة أخرى (وهذا ينبغي أن يكون خبرًا سيئًا لجميع الذين سيموتون للمرَّة الأولى في هذه الليلة).
(8)
لا أُقصيكِ، ولا أُدنيكِ. لا أكتبكِ، ولا ديمة منك في الوادي الذي من غير زرع ولا فزع. لا أستبعد الحب ولا الموت من فرامل الليلة الضَّبابيَّة.
(9)
انتظرتُ العذراء في غرفة أمِّي، ثم أجهضتني أمِّي في غرفة العذراء (ولا أستطيع أن أكون مؤمنا أو عاشقا في خارج هذا).
(10)
تبقى في الكأس ما يكفي لاستضافة عصفور من جهنَّم، أو غراب من مجز الصُّغرى (أنت لستِ مدعوَّة إلى التَّباريح).
(11)
ليست الكتابة قضيَّة ولا شأنا جليلا. إنها مكابدة المُتاح فحسب (ليس هناك شيء مُتاح غير هذا المفتاح).
(12)
الماضي أكثر المهمَّات عسرا (هذا على الرغم من خشيتي أنك ستموتُ بلا ذكريات).
(13)
الوطن مجَرَّد نُطْفَة، وصَدَقَة، وصُدْفَة (وعليك أن تعبأ أكثر بما هو بعد ذلك).
(14)
هنا، في هذا الحيِّز المتراكم، عند الجدار الرِّطب، تحت النجمة المليئة بالذِّكريات والزُّرقة، قرب البحر الذي يغيِّر ألوانه في الليل، صار لزاما أن يحدث ذلك.
(15)
يتعفَّف عن الجسور، ويعبُر إلى الممشى الوحيد بين الأنقاض.
(16)
شيء فاجع للغاية، أليس كذلك؟: هؤلاء الأحياء يتعاملون مع الأحياء (فقط).
(17)
في هذه الحياة ثمَّة فرق بين الرَّغبة في الحياة وطُرق ممارسة الحياة (واللُّحود لن تبخل على أحد).
(18)
اتخاذكَ القرار الخاطئ لا يعني بالضرورة أنك في حِلٍّ من المَلامة التي ستصدر بطريقةٍ ما فيما لو كنت قد اتَّخذت القرار الصائب.
كُن هكذا، أعمى دوما مثل شيطان لا يقبل أن يعطي نَجْدَا لأحد.
(19)
لا تنظر إلى النجم الذي هوى، ولا تكن الصَّاعقة، ولا الطِّباعة (أنتَ في الدَّاخل دوما).
(20)
كان الجسد من مُصادَرات الثقافة العربيَّة. صار الجسد من مجَّانيَّات الثقافة العربيَّة.
(21)
بغتتني كثيرا تلك المفاجأة. لم أترنح. لم أسقط. لم يتضعضع فؤادي. لم أطلب عونا من يدِ ولا روحِ أي أحد. كل ما حدث هو أني هذيتُ، ثم نسيتُ.
كنت أعرف منذ البداية أنني لستُ بطلا.
(22)
وحدي (لا يتَّسع هذا الفضاء الذي تَرَكتِه لكِ).
(23)
أموت (لا تسمعي هذه الطمأنينة قبل الغسق).
(24)
اللامبالاة من تراجم الخوف (الذي لا يُحْسِنُ لغة أخرى).
(25)
ضاع الضَّرع في الزَّرع (وينتظرون).
(26)
أمضي على الطريق. كلا، سيأخذني الطريق.
(27)
في تلك البلاد لا يزالون ينتظرون الوطن (أنا أراهن على الموت أكثر).
(28)
الحُبُّ يخلِّف كدمات وسحجات زرقاء، وخضراء، ورماديَّة، وتقريبا بنفسجيَّة، على الرُّكبتين، وتحت العينين، وفي الكبد، والكِليتين، والمرفقين، والخاصرة، والنَّجدين، والذِّكريات، وما تبقى من خيول وأعشاب.
الحُبُّ شيءٌ سيئٌ للغاية. الحُبُّ أبيض.
(29)
تتظاهر أعضاؤك بالأعضاء، ويقيم جسدك في حقل عشبٍ جاف، وبعيد.
(30)
وجهكِ صغيرٌ، وحنونٌ، عتابٌ عابرٌ، وابتسامةٌ طفيفةٌ لا تهتَّم بنفسها، مثل نجمة لم يجهضها الميلاد.
(31)
كان على الحب أن يكون أكثر استدارة (تقريبا مثل القمر أو نداء «آخر طلب» من مشروب الـ«تكيلا» في حانة شعبيَّة في مدينة تيوانا المكسيكيَّة في 1989).
كان على الحب...
(32)
أحتاج لكِ (ولستُ جاهزا تماما لما سيحدث بعد ذلك).
(33)
في يدي ثلاث حصوات وسبعة أقمار.
(34)
في تلك البلاد كان يتعيَّن الانضمام إلى مساقات دراسيَّة مكثَّفة، وحضور محاضرات، والاشتراك في ورش عمل تنفيذيَّة، وتقديم امتحانات شفهيَّة ومكتوبة صارمة. وإن اجتزت كل هذا سيعطونك شهادة موثَّقة تثبت أنك قد أصبحت بغلا صالحا في المملكة.
بعد سنوات قليلة من ذلك، وللتعامل مع الانخفاض المستمر في ثروة الحمير الوطنيَّة، وجَّهت السلطات بإجراء فحص الـ DNA لكل مواطن.
وهكذا لم يعد الملك يحكم سوى قصره والإسطبل الذي فيه.
(35)
غزَّة، خلف المُنْتَصَفات، أمام الهيولى تماما، حيث ليس على الخلق أن يبدأ.
(36)
نحن تهوَّرنا، وهم استعجلوا، ولم يعد أي أحد قادرا على الاعتذار عن أي شيء.
لقد حدث ما حدث بتعاطف الملاك والشيطان معا، وصارت الهاوية تتَّسع للجميع.
(37)
صلبوا المجدليَّة وابن مريم
ترنَّح البحر في النجم
قلَّ الناس واكتمل القول
ولم يعد أحد ينتظر القيامة.
عبدالله حبيب كاتب وشاعر عماني