ساعات مهدورة
hamdahus@yahoo.com
قرأت يومًا تشبيه جميل لجاك كانفيلد حول جهاز التلفاز بأنه صندوق تخفيض الدخل؛ لأن كل ساعة تقضيها على هذا الجهاز تساوي ساعة عمل مهدورة، هذا كان في زمن التلفزيون لكن أعتقد أن هذه العبارة تنطبق بشكل كبير جدًا على الهواتف الذكية اليوم، التي تجعلنا متسمرين على شاشاتها ساعات طويلة، منهمكين في التجول من شبكة تواصل اجتماعية إلى أخرى، تعبئ عقولنا بالتفاهات أحيانًا، و الأخبار الكئيبة التي تشعرنا بالكآبة وقلة الحيلة، أو صفحات شخصية يستعرض أصحابها حياة مرفهة لامعة ومثالية أبعد ما تكون عن تمثيل الواقع الذي يعيشه هؤلاء الأشخاص.
كنت في إحدى الدول العربية منذ فترة فصدمني منظرًا في مطارها لأحد موظفي الأمن الذي كان من المفترض أن يكون يتفحص محتويات الحقائب عبر شاشة الأمن أمامه، لكن عندما التفت خلفي إذ به منهمك في هاتفه تاركًا الحقائب تخرج بدون فحص حقيقي، مشهد أزعجني للغاية، صحيح أن يتكرر أمامي عدد لا محدود من المرات لكن دائمًا في وظائف أقل حساسية.
لقد أصبحنا نهدر ساعات طويلة يوميًا من أوقات العمل والإنتاج أيا كان موقعنا، بسبب هذا الإدمان الجديد الذي يجعلنا شبه مغيبين أمام شاشات لا تفتأ تفاجئنا بالجديد كل ثانية، لتبقينا متسمرين أمام هواتفنا.
ماذا لو أن هذه الساعات قضيناها فعلًا في ممارسة مهام أعمالنا، أو حتى هوايات جميلة، نجدد بها النشاط وتمنحنا البهجة، أو تواصل إنساني جميل مع من نحب؛ لأن حتى هذا الجانب طغى عليه الهاتف بشكل كبير، وأصبح صغارنا و كبار السن يشتكون من الوحدة القاتلة، وزادت عندهم الأمراض النفسية نتيجة هذا الإهمال العاطفي.
في بيئة العمل اللحظة التي نرفع أعيننا عن أجهزة الحاسوب لنريحها عوضًا عن التواصل مع زملاء العمل نهرع إلى هواتفنا، ننسى أنفسنا فيها، فضعفت العلاقات الجميلة التي كانت تربط زملاء العمل في ما مضى من السنوات، كنت في جلسة قبل أيام تمازح النساء بعضهن فيها بأنهن لا يعرفن زميلات العمل في ذات الطابق أحيانًا، وهذا برأيي؛ لانشغالنا بصداقات وعلاقات مزيفة مع متابعي شبكات التواصل الاجتماعي، الذين يغذون الايجو لدينا بأزرار الإعجاب، والتعليقات المحفزة التي تضخم هذه الأنا أكثر.
لا أعرف إلى أين يأخذنا هذا الهوس بهذه الأجهزة، لكن أتمنى فعلًا أن نستطيع بطريقة أو بأخرى فك سيطرتها علينا، لنعيش الحياة الحقيقية التي نستحق.