روسيني: وُلِد وفي يده عصا الموسيقى

05 يناير 2023
هوامش... ومتون
05 يناير 2023

عندما يفتح طفل عينيه، ويجد أمّه مغنية مشهورة تؤمن بمواهب ابنها الموسيقية، وترعاها، بل توصي العاملين في أكبر المسارح أن يفسحوا المجال له، فبالتأكيد سينشأ هذا الطفل نشأة مختلفة، وهذا ما جرى للموسيقار الإيطالي جواكينو روسيني، المولود عام 1792 في بيزارو الإيطالية، فسرعان ما لفت الأنظار إليه، خصوصا حين ألّف أوّل عمل أوبرالي له، وهو لم يتجاوز سنته الرابعة عشرة، وقبل ذلك بسنة شغل منصب نائب قائد الأوكسترا، من كلّ هذا نرى أنّ نشأة روسيني في بيئة محفّزة ساعدت في نبوغه المبكر، وكيف لا يكون ذلك، وأمّه كانت مغنية أوبرالية شهيرة اسمها (آنا جويداريني)؟ وكانت تصطحبه إلى حفلاتها، ونبّهت أصدقاءها لموهبته الفريدة وطلبت منهم دعمه، وكان أقربهم إليها عازف الأرغن جوفاني موراندي، وزوجته المطربة روزا، فقد كانا يتردّدان على منزل والدته في بولونيا، ويصغيان إلى معزوفات الموسيقي الصغير الذي وُلد وفي يده عصا الموسيقى، وبعد والدته أسهمت السوبرانو روزا موراندي مطربة الفرقة الأولى، في دعمه، وسعت إلى إقناع مدير مسرح سان مويزي الشهير، بالاستعانة به في أحد أعماله، خصوصا أن اسمه قد بدأ يظهر، وينتشر، ولم يكن قد تجاوز عمره الرابعة عشرة، عندما قام بتأليف أول أوبرا له حملت عنوان (دميتريو وبوليبيو)، فلاقت عروضه نجاحا، وانتشارا واسعا، إلى اليوم، وقد ذكر المعلّق الرياضي الراحل مؤيد البدري في حوار أجري معه، قبل سنوات، أن موسيقى هاتفه النقال الخاصة به هي مقطع من أوبرا (حلاق إشبيلية)، فله ذكريات معه كونه اختاره مقدمة لبرنامجه الشهير (الرياضة في أسبوع) الذي بدأ تقديمه عام 1963 وتوقف في عام 1993، وبقي جمهور تلفزيون العراق يسمعونها على مدى ثلاثين سنة، دون أن يعرف الكثير منهم أنّ أوبرا (حلاق إشبيلية) من تأليف روسيني الذي احتفت دار الأوبرا السلطانية مسقط بذكراه مؤخّرا بحفل موسيقيّ قدّمته أوركسترا جواكينو روسيني السيمفونية بقيادة المايسترو نيكولاس نيجيلي تضمّن مقاطع مستلّة من أشهر الأوبرات التي قام بتأليفها، ولعل أبرزها: إلى جانب «حلاق إشبيلية»، أوبرا «رحلة إلى الراين»، و«فتاة إيطالية في الجزائر» و«سندريلا»، و«سيدة البحيرة» و«سميراميس»، و«وثيقة زواج» التي وضعها لتُعرض على مسرح سان موزيه في البندقية للمرة الأولى عام 1810، وكان عمره قد بلغ الثامنة عشرة، وحين توفّي هذا الموسيقي الشهير، في باريس عام 1868م ترك الكثير من الأعمال، ويكفي أن عدد مؤلفاته تجاوز سنوات عمره في شبابه، فعندما كان في الثلاثين بلغت أعماله حوالي 39، ذلك لأنه نبغ في الموسيقى بسنّ مبكّرة، فكأنه وُلد وفي يده عصا الموسيقي.

ورغم أن أعماله اشتهرت بكونها كوميدية إلا أنّ روسيني أمضى سنوات طويلة من عمره يعاني من حالة اكتئاب أوقفته عن التأليف الموسيقي بعد إصابته بمرض (الاضطراب الوجداني ثنائي القطب)، فكان حاله شبيها بحال الكاتب الروسي الساخر ميخائيل زوشينكو الذي ذهب عام 1926 لطبيب نفسي لعلاجه من الاكتئاب، وبعد فحصه طلب منه الطبيب قراءة القصص الفكاهية المسلية وخصوصا قصص ميخائيل زوشينكو، فقال له: أنا ميخائيل زوشينكو، لذا، خلال إصغائي لقهقهات الجمهور الذي شاهد أوبرا ( وثيقة زواج) لروسيني في العرض الذي قدّم على مسرح دار الأوبرا السلطانية مسقط، مؤخّرا، تذكّرت مأساة مؤلّف هذه الأوبرا، الذي لمع مثل شهاب، ثم غاب خلف قافلة غيوم، سود، ثقيلة، بعد أن ترك لنا أعمالا تتسم بالخفّة والرشاقة والجمال، فلم يغادر، بل ظل ّ حاضرا، فاحتفت مسقط بمنجزه الفني بعد (155) عاما من غيابه، وبقيت عصا الموسيقى في يد (المايسترو) تتحرّك برشاقة ليستمتع الجمهور بمعزوفاته الخالدة.