رقصة القمر مع أنشتاين
انتهيت مؤخرا من قراءة كتاب «رقصة القمر مع أنشتاين» (Moonwalking with Einstein) للكاتب جوشوا فوير وهو كتاب يجمع بين السرد الشخصي والتاريخي والعلمي لاستكشاف تقنيات تحسين الذاكرة والقدرات العقلية. الكتاب يتناول رحلة الكاتب الشخصية التي بدأت أثناء عمله كصحفـي لتغطية مسابقة الذاكرة، لكن الأمر استهواه فقرر أن يشارك كمتسابق ممثلًا لبلاده فـي هذه المسابقة، ليحرز بعد عام من التدريب لقب بطل الولايات المتحدة الأمريكية فـي الذاكرة، بعد أن استفاد خلال تغطيته للمسابقة من تقنيات حديثة وقديمة مثل استخدام «قصر الذاكرة» لتخزين المعلومات بشكل فعّال. الكتاب رحلة جميلة وساحرة فـي هذه المعجزة التي تسمى بالذاكرة، جعلتني أقف مشدودة أمام هذا الإعجاز الرباني، فقد اكتشفت فالذاكرة ليست مهارة خارقة يتمتع بها البعض فقط، بل هي قدرة يمكن لأي شخص تطويرها بالتدريب المناسب. تعلم جوشوا فوير كيفـية استخدام تقنيات مثل التصور الذهني وربط المعلومات بصور مرئية، وهي استراتيجيات استخدمها المشاركون فـي مسابقات الذاكرة على مر العصور.
ويشدد الكاتب على أن الهدف من تحسين الذاكرة ليس مجرد تخزين المعلومات، بقدر ما هو تغيير طريقة تفكيرنا فـي المعلومات ذاتها وتحليلها. ذلك أن الذاكرة ليست مجرد وسيلة لتذكر الحقائق، بقدر ما هي أداة لتعزيز الإبداع والتفكير النقدي.
علاوة على ذلك، يعزز الكتاب فكرة أن امتلاك ذاكرة قوية لا يعني بالضرورة النجاح فـي الحياة، فالتحدي الحقيقي يكمن فـي كيفـية استغلال هذه القدرات لتحقيق أهداف ذات معنى.
فـي نهاية الكتاب، يستعرض فوير تجربته الشخصية مع الذاكرة وكيف غيّرت هذه الرحلة رؤيته لنفسه وللعالم، بعد أن اكتشف بأن الذاكرة ليست مجرد مجموعة من المعلومات، بل هي جزء من هُويتنا وثقافتنا، هي شخصيتنا ببساطة. الذاكرة ليست أداة للماضي فحسب، بل هي وسيلة لبناء مستقبل أكثر إبداعًا ومعرفة. وهذه الجزئية بالذات جعلت الكاتب يتساءل إن كنا قد أخطأنا فـي تغيير نظام التعليم الذي كان قائما على الحفظ، لأن ما توصل له العلم أننا لا نستطيع أن نطور مهارات التحليل، والتفكير، والتخيل والإبداع، بدون معلومات أساسية قضينا جُل حياتنا فـي تجميعها، فبدون ذاكرة لا يمكن أن نتعلم ببساطة.