رفقا بقلوبهم

31 يوليو 2022
31 يوليو 2022

سالت دمعة من عينيه، دسست رأسي في هاتفي متظاهرة بأنني لم أرها، وهو يرد على سؤال ظننته تقليدي بسيط أردت به بدء حوار صباحي لا أكثر، بسؤالي عن كيف كانت ليلته، وهل نام جيدًا،عرفت أنه لم ينم لأسابيع نومة كاملة، فذهنه مشغول

ببناته، ومشاكلهن التي لا تنتهي، فبالنسبة لهذا الرجل السبعيني بناته هن الحياة، يبدو أن علاقته وثيقة بهن للدرجة التي يخبرنه فيها بتفاصيل كل شيء، من باب الفضفضة وإشراكه في حياتهن، لكن في هذا العمر يصبح الآباء شديدي الحساسية تجاه الحياة بشكل عام، وتجاه الأولاد بشكل خاص، فهم يشعرون بالخوف، وقلة الحيلة.

أذكر أننا عندما كنا صغارًا لم نكن نشرك أبدًا في مشاكل البيت، وكان الكبار يتحدثون همسا حتى لا يؤذوا مشاعرنا، لكننا عندما كبرنا لم نتعامل معهم بذات الحذر، فما أن ندخل البيت حتى نمطرهم بسيل من المشاكل التي واجهتنا منذ أن خرجنا، بدءا بزحمة الطريق، مرورا بمشاكل العمل، وانتهاء بآلامنا الجسدية التي لا تنتهي، نفرغها في قلوبهم المتعبة وننصرف، فيما نتركهم يعانون أضعاف آلامنا، بعد مزجها بالقلق والخوف.

فالمشكلات التي كان يحدثني عنها هذا الرجل السبعيني هي مشاكل يومية تحدث كل يوم بين الزوج وزوجه، وهم حتما سيتجاوزونها على نهاية اليوم كأنها لم تكن، لكنها عندما صبت في أذن هذا المسكين تحولت إلى هموم نغصت عليه حياته، وسلبته

النوم، كنت أنظر إليه وأتساءل كيف لرجل يحسب له من حوله ألف حساب كما يقال، يتحول إلى شيخ ضعيف أمام أبسط مشكلات بناته، وهو الذي جرب الحياة، وخاض غمارها، ولا شك أنه عاش مشكلات ومآس حقيقية.

أظن أن القلوب أيضا تضعف مع التقدم بالسن، عندما تهن الأجساد، ويشعر فيها المرء بقلة الحيلة أمام ما يعترضه، الأولاد للأسف لا يدركون ذلك، وهم يصبون مشاكلهم اليومية في آذان الآباء، الذين لا حيلة له.

المرة القادمة قبل أن تفكر في استعراض تفاصيل يومك المتعب، فكر في قلبي والديك المتعبين، فمن البر عدم استعراض مشاكلك معهم، فأنت ستتجاوزها سريعا، لكنهم لن ينسوها بالسرعة ذاتها، وقد تحل المشاكل هذه وهم لا يعرفون عنها، فيستمر عندهم

مسلسل الألم، فرفقا بهم.

hamdahus@yahoo.com