رغبة التبرير

20 سبتمبر 2024
20 سبتمبر 2024

هل نحن مطالبون بتبرير كل ما يصدر عنا؟ ولماذا؟ ولمن؟ فهذه المحاصرة المحكمة من قبل الآخر مزعجة إلى حد القرف، أو الألم، ولا تعود بالشيء الثمين لأي طرف كان، سوى معاناة نفسية لدى جميع الأطراف، يحدث هذا لكلا الطرفين، فكل طرف يريد أن يعرف عن الآخر، مع أن المعرفة بكل التفاصيل عملية مرهقة، ومزعجة إلى حد الارتباك ولا تبني أسسا متينة في العلاقات بين الناس، فأنا وأنت وآخرون، لسنا/ ليسوا ملزمين بأن نبرر عن مواقع الأثر لخطواتنا أو عن كل شيء نفعله أو نقوم به، فالخطوات قد تمت، وبعد قليل ستذروها رياح التغيير، رياح التبدل، رياح التجديد، فليس هناك ديمومة للبقاء، وبما أن الأمر كذلك؛ فما هو الداعي لأن نبرر، وأن نعلل، وأن نختلف، وأن نتصادم، وأن نتنازع، وأن نشكك في قدراتنا، وأن نتجاوز حدود مواثيقنا، ونربك مجموعة ثقاتنا؟ هذا كله ليس ضروريا، ولا مطلوبا إطلاقا، ولذلك قيل: «ظن بي خيرا، أو اكفني شر ظنونك» وبالتالي فلا تبريري سوف يفيدك بشيء؛ ويظل مجرد افتعال شعور لا قيمة له، أكثر من محاصرتي وإضعافي؛ حيث يظهر تنمرك علي أكثر من أن تتبجح به أمام الآخرين، لتجد فيه متسعا أكثر للحديث، والهمز واللمز، ولا ظنونك سوف ترتق مجموعة الثغرات التي تتوهمها في الآخرين من حولك، حيث تبقى مجرد ظنون لا قيمة لها، وبالتالي فالمحصلة مراكمة للألم، والضغينة، وعدم الثقة.

عندما ترى الوجوه تَشْرَئِّبُ إليك، وقد انخفضت الأصوات؛ إلا من همس مسترق متفرق هنا أو هناك؛ تظن نفسك أنك موضع اهتمام من الآخر، وأن هذا الآخر يريد أن يسمع منك صدقا، مع أن الحقيقة لا تتعدى في كل هذا الاهتمام إلا اقتفاء أثر مجموعة من الأخطاء التي قد تقع فيها، وهناك صيادون ماهرون ينجزون الكثير من اقتفاء الأثر، وحتى إن بررت، وعللت، وأقسمت الأيمان المغلظة كل ذلك لا قيمة له، فالناس يعودون في آخر الأمر إلى قناعاتهم الشخصية، ومنها يتخذون الأحكام ضدك؛ خاصة إن عاكست تيارهم الذي يسيرون عليه، أو لصالحك؛ إن توافقت معهم في أمور كثيرة، وما يحدث أكثر حتى بعد الانتهاء من تبريراتك لن يكون حالك أكثر من أنك «داخل قفص الاتهام» دون أن تدري.

هناك من له القدرة على الثبات على مواقفه؛ كثر المخالفون حوله، أو قلوا، ويرى من خلال قناعاته أنه ليس مجبرا على أن يبرر أفعاله ومواقفه، فهذا شأن خاص به، وليس للآخرين شأن في ذلك، توافقت تلك الأفعال أو المواقف مع سيناريوهاتهم أو لم تتوافق، فهذا لا يهم كثيرا، فالآخرون على خط السير الأفقي هم كذلك متصادمون مع غيرهم، برر هؤلاء الغير لمجموعة أفعالهم ومواقفهم، أو لم يبرروا، فذلك لن يغير من الأمر شيئا، فالصورة النمطية المرسومة عن الآخر: غير صادق، غير أمين، «شايف نفسه» يراعي مصالحه، لا يمكن أن يضحي، يبالغ في قوله، يحتاج إلى كثير من أدلة الإثبات، كل ذلك مرسوم عنك على صفحة الآخر، بررت أو ألزمت الصمت، وبالتالي فالخروج من هذه الإشكالية «الخلاف» هو ما أشارت إليه الحكمة أعلاه، إما أن يظن به خيرا، أو يقبل الواحد على حالته التي يكون عليها، ولا توجد مناصفة مثالية لهذه الصورة، وما زاد عن ذلك يدخل في باب الترف اللفظي، الذاهب إلى التبرير، والتعليل، والتسويق غير المفضي إلى أهمية بالغة، والأكثر من ذلك أن الآخرين لا تهمهم كثيرا، إلا بالقدر الذي تقدمه، وإن جفت منابعك، فاقرأ على أهميتك السلام.